جوُّها سَجْسَجٌ وفيها نسيمٌ ... كلُّ غصنٍ إلى لِقاه يميلُ
صحَّ سُكَّانها جميعاً من الدا ... ءِ وجسمُ النسيم فيها عَليلُ
إيهِ يا ماءَ نهرِها العذبَ صَلْصِلْ ... حبَّذا يا زُلالُ منك الصَّلِيلُ
إيهِ يا وُرْقَها المُرِنَّةَ غَنِّي ... فحياةُ النفوسِ منك الهَدِيلُ
رَوْضَ صنعاءَ فُقْتَ طبعاً ووصفاً ... فكثيرُ الثناءِ فيك قليلُ
تِهْ على الشِّعْبِ شِعْبِ بَوَّانَ وافْخَرْ ... فعلَى ما تقولُ قام الدليلُ
نهرٌ دافِقٌ وجَوُّ فَتِيقٌ ... زهرٌ فائقٌ وظِلٌّ ظليلُ
وثِمارٌ قِطافُها دانِياتٌ ... يجْتنيها قصيرُنا والطويلُ
لستُ أنْسَى ارْتعاشَ شُحْرورِ غُصْنٍ ... طَرَباً والقَضِيبُ منه يميلُ
وعلى رأسِ دَوْحِه خاطَب الوُرْ ... قَ ودَمْعُ الغصونِ طَلاً يسيلُ
ولسانُ الرُّعودِ تهْتِفُ بالسُّحْ ... ب فكأن الخفيفَ منها الثقيلُ
وفَمُ السحبِ باسمٌ عن بُروقٍ ... مستطيرٌ شُعاعُها مستطيلُ
وزهورُ الرُّبَى تعَجَّبُ مِن ذَا ... شاخِصاً طَرْفُها المَلِيحُ الجميلُ
فانْبَرتْ قُضْبُها تَراقَصُ تِيهاً ... كخليلٍ سقاه خمراً خليلُ
وعلى الجوِّ مِطْرَفُ الغَيْم ضافٍ ... وعلى الشَّطِّ بُرْجُ أُنْسٍ أَهِيلُ
فيه لي رُفْقةٌ رِقاقُ الْحَواشِي ... كاد لِينُ الطِّباع منهم يسيلُ
وهمُ في العلى أشدُّ من النَّبْ ... عِ إذا حَلَّ في الخُطوبِ الجليلُ
أرْيَحِيُّون لو تسومُهم النَّ ... فْسُ لجادُوا فليس فيهم بخيلُ
نَتهادَى من العلومِ كؤوساً ... طَيِّباتٍ مِزاجُها زَنْجبيلُ
وغوانٍ من المَعانِي كِعابٍ ... ريقُها عند رَشْفِه سَلْسبيلُ
طاب لي رَأْدُها وطاب ضُحاها ... كيف أسحارُها وكيف الأصيلُ
ولما اطلع عليها القفاضي محمد بن إبراهيم السحولي، عارضها بقوله:
لا زال وجهُ الجمالِ الجميلُ ... ولها منه غُرَّةٌ وحُجولُ
وعليها من المَلاحة سِرْبا ... لٌ طِوالٌ أرْدانُه والذُّيولُ
وخَلاخيلُ بهجةٍ وسُلُوسٌ ... وتَقاصِيرُ نَضْرةٍ وفُلولُ
والذي أبرزَتْ من الحسنِ معلو ... مٌ ولكنْ أضْعافُه المجهولُ
ولهذي الدعوَى براهينُ قد ... حُرِّر منها المَعقولُ والمنقول
غيرَ أن المَجالَ يُسْتحسَن الإجْ ... مالُ فيه ويسمُجُ التفصيلُ
جنَّةُ الأرْبعِ الجِنان الذي دَا ... نَ بتفْضيلِها عليها الرسولُ
ومتى احْتاجتِ الغزالةُ في رَأْ ... دِ الضحى أن يُقام فيها الدليلُ
ولِموضوعِ حُسْنِها في الحواشِي ... مُلحقَاتٌ بدائعٌ وفُصولُ
كالرياضِ الغَنَّا إذا طاب فيها ... ليلُها والضحى وطاب المَقيلُ
وبكى الغيمُ في رُباها فأضحى ... ضاحكاً منه ثغرُه المعسولُ
وتغنَّى الهَزارُ في الوَرَقِ الأخْ ... ضرِ واصْفَرَّ كالنُّضارِ الأصيلُ
وأتى مُرْسَلُ النسيمِ إلى الغُصْ ... نِ فيُوحِي إليه كيف يميلُ
حبَّذا حبَّذا مُروج أحاطتْ ... ببرُوجٍ فيها البدورُ نُزولُ
كجِنانِ الفِرْدَوْسِ ألوانُ ولْدا ... نٍ من النَّبْتِ في رُباهَا تجُولُ
فَلِرَيْحانِها سرورٌ وقد را ... ق بلالاً خَدٌّ له مَبْلولُ
وإذا اهتزَّ الغصنُ وانْتثرَ الطَّ ... لُّ بمَرْجانِه تبسَّم لُولُو