للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

البيت الأخير مشهور، وهو مطلب قصيدةٍ للشيخ الأكبر، قدس الله سره الأنور.

الإمام عبد القادر بن محمد الطبري إمام الإئمة، وعالم هذه الأمة.

فضائله يقل عند عدها رمل يبرين، ومحامده يتضاءل لديها مسك دارين.

وهو من الرتبة المكينة، والمهابة التي جملت الوقار والسكينة.

في محلٍ اتخذ المجرة ممشى، والفلك الأطلس عرشا.

ثم إذا اعتبر حاله من أرقامه، شهد الوصف بأن ذلك دون مقامه.

وأما تصلبه في أمر الدين، فهو فيه من أعظم الراشدين والمرشدين.

إلى بلاغة وبراغة، أعجز بهما فرسان اليراعة.

وقد أثبت له ما يقوم بالحجة.

فمن ذلك قوله من قصيدة يمدح بها الشريف حسن بن أبي نمى:

بَدَتْ تجُرُّ ذُيول التِّيهِ والُخيَلاَ ... في روضةِ العُجْبِ حتى قلتُ حَيَّ عَلَى

خَوْدٌ تُجرِّد بِيضاً من لَواحظِها ... فتتركُ الأُسْدَ في ساحاتِها قتلاَ

وتنْثَني بقَوامٍ زَانَه هَيَفٌ ... فتُخْجِلُ الغُصْنَ تَعْدِيلاً كذا مَيَلاَ

ما أطلْعتْ لِي هلالاً من مُبَرْقَعِها ... إلاّ وعايَنْتُه بَدْراً فلا أفَلاَ

ولا رَنَتْ لي بلَحْظٍ فَتْرةً كَسَلاَ ... إلاّ وقد بعثتْ خوفَ الحشاَ رُسُلاَ

يا حُسْنَها من فتاةٍ حَلَّ مَبْسَمُها ... ظَلْمٌ يفوق على لَذَّاتهِ عَسَلاَ

ورَصَّعَتْه لآَلٍ حولَ مَنْبَتِها ... زُمُرُّدُ الوَشْمِ ياللهِ ما فَعَلاَ

ناديتُها ورماحُ الحيِّ مُعْلَنةً ... يا ظَبْيةَ الحَيِ هل ما يُبْلِغُ الأمَلاَ

لِوَالِهٍ عبثَتْ أيْدِي الغرامِ به ... أما تَرَىْ شأنَه أن يُبْدِعَ الغَزَلاَ

قالتْ صدقْتَ ولكنْ ذاك تَوْطِئَةٌ ... لِمَدْحِ أفضلِ مَن في الأرضِ قد عَدَلاَ

السيِّدِ الحسَنِ المَلْكِ الهُمامِ ومَن ... تراه بالحقِّ للجَوْزاءِ مُنْتعِلاَ

سلطانُ مكّةَ حامِي البيتِ مَن شهِدتْ ... بعَدْلِه الأرضُ لمّا مَهَّد السُّبُلاَ

مُؤيِّدُ الدِّين بالعَزْمِ الذي اقْتربَتْ ... به السَّعاداتُ في حالاتِه جُمَلاَ

لَيْثُ الكتيبةِ مُرْوِي المشْرَفيَّةِ مِن ... دمِ العِدَآ مَنْهَلاً إذْ أرْعَف الأسَلاَ

صادَ الصَّناديدَ يوم الحربِ ما بَطَلٌ ... رأَى عَجائبَه إلاَّ وقد بَطَلاَ

كم ذا أبانَتْ عن العَلْياءِ هِمَّتُه ... وكم أبادتْ مَعالِي عَزْمِه رَجُلا

وكم مَحا سيفُه أهلَ الفَسادِ وأرْ ... بابَ العِنادِ فجارَى سيفُه الأَجَلاَ

فأصبحُوا لا تُرَى إلا مَساكنُهمْ ... بَلاقِعاً قد كَساها الذُّلُّ ثَوب بِبلى

وليس بِدْعاً فهذا شأْنُ والدِه ... عليٌّ المُرْتَضى السامِي بفضْلِ وَلاَ

فسَلْ حُنَيْناً وسَلْ بَدْراً وسَلْ أُحُداً ... والنّهْرَوانِ وسَلْ صِفَّينَ والجَمَلاَ

فيا ابنَ طه عَلَوْتَ الناسَ قاطبةً ... وجَلَّ قَدْرُك أن تَحْكِي له مَثَلاَ

هل أنتَ مَلْكٌ عظيمُ الخَلْقِ أم مَلَكٌ ... أبِنْ فأمْرُك هذا حَيِّرَ العُقَلاَ

وقوله من أخرى يمدحه بها، وأولها:

رَبْرَبُ الأخْدارِ من شَمَمِهْ ... لا يُراعِي النَّقْضَ في ذِمَمِهْ

حجَب الأبْصارَ رُؤْيتُه ... وتجلَّى في خِبَا خِيَمِهْ

وأرى أحْبابَ حَضْرتِه ... غَضَباً ما كان من شِيَمِهْ

ما يراه حالَ نُفْرتِه ... غيرُ مَن بارَى بسَفْكِ دَمِهْ

زُرْتُه والعَزْمُ يُسْعِفني ... آمِلاً منه ابْتسامَ فَمِهْ

جُنْحُ ليلٍ مُسْفِرٌ بسَنَا ... طَلْعةِ المَأْمولِ عن ظُلَمِهْ

فحَدانِي عَرْفُ ساحتِه ... وهَدانِي مُرْتقَى أَكَمِهْ

فبدَا لي في الحجابِ فمِن ... فَرْقِهِ نُورٌ إلى قَدَمِهْ

هو للرَّائِي مُعايَنةً ... مثلُ طَيْفِي مَرّ في حُلُمِهْ

<<  <  ج: ص:  >  >>