للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وصُنْتَ مكةَ إذْ طهَّرتَ حَوْزَتَها ... من ثُلَّةٍ أهلِ تَثْليثٍ وإلْحادِ

قد غَرَّ بعضَهم الإهمالُ يحسَبُه ... عَفْواً فعاد لإتْلافٍ وإفْسادِ

فذُدْتهم عن حِمَى البيتِ الحَرامِ وهم ... من السَّلاسلِ في أطْواقِ أجْيادِ

كأنهم عند رَفْعِ الزَّنْدِ أيديهَم ... يدْعُون حُبَّاً لمولانا بإمْدادِ

وما ارْعَوَوا فشَهرتَ السيفَ مُحتسِباً ... يا بَرْدَ حَرِّهم في حَرِّ أكْبادِ

غادَرْتَهم جَزَراً من كلِّ مُنْجَدِلٍ ... كأن أثوابَه مُجَّتْ بفِرْصادِ

سعَيْتَ سَعْياً جَنَينْا من خمائلِه ... نَوْرَ الأمانِ لأرْواحٍ بأجْسادِ

فكم بمكةَ من داعٍ ومُبْتهِلٍ ... ومن محبٍ ومن مُثْنٍ ومن فادِي

وعاد كلُّ عَصِيٍ ذلَّةً وصَلَى ... وكان من قبلُ صَعْباً غيرَ مُنْقادِ

نَفَى لَذيذَ الكرى عنهم تذكُّرُهم ... وقائعاً لك بين الخَرْجِ والوادِي

أباح سَرْحَك أن يرعى منازِلَهم ... مُهمِّلاً كلَّ مُعْوَجٍ ومُنْآدِ

مِن كلِّ أبْيضَ قد صَلَّتْ مَضاربُه ... لمَّا ترقَّى خطيباً مِنْبَرَ الهادِي

وكلِّ أسْمَر نَظَّامِ الطُّلاَ وله ... إلى العِدَى طَفْرةُ النَّظَّامِ مَيَّادِ

وصانَ وَسْمَكَ في حاشٍ مُخالطةٌ ... عن ربِّ غَزْوٍ تنضَّاه بأحْشادِ

وأسْكَنتْ قلبَهم رُعْباً تذَكُّرُه ... يُنْسِي الشَّفُوقَ المُوالِي ذِكْرَ أولادِ

أقْبلْتَهم كُلَّ مِرْقالٍ وسابحةٍ ... يُسْرِ عَنْ عَدْواً إلى الأعدا بأطْوادِ

من كلِّ شهمٍ إلى العلياءِ مُنتسِبٍ ... بسادةٍ قادةٍ للخيْلِ أجْوادِ

فهاكَ يا ابنَ رسولِ اللهِ مِدْحةَ مَن ... أوْرَتْ قَريحتُه من بَعْدِ إخْمادِ

فأحْكمَتْ فيك نظماً كلُّه غُرَرٌ ... ما أحْرزَت مثلَه أقْيالُ بَغْدادِ

أضْحَتْ قَوافِيه والآمالُ تَسْرَحُها ... روضَ البديعِ لإرْصادٍ بمِرْصادِ

ترْوِيه عنِّي الثُّرَيَّا وهْي هازئةٌ ... بالأصْمَعِيِّ وما يرْوِي وحَمَّادِ

وتسْتحِثُّ مَطايَا الزَّهْرِ إن ركَدتْ ... كأنها إبلٌ يحْدُو بها الحادِي

وتُوقِظُ الرَّكْبَ مِيلاً من خُمارِ كَرىً ... والليل من طَوْقِ تَدْآبِ السُّرَى هادِي

أتتْك تشْفَع إدْلالاً لِمُنشِئِها ... فاقْبَلْ تذلُّلَها يا نَسْلَ أمْجادِ

وأسْبِلِ الصَّفْحَ سِتْراً إن بَدا خَلَلٌ ... تهتك به سِتْرَ أعداءٍ وحُسَّادِ

وكتب إلى القاضي تاج الدين المالكي، من الطائف:

لا هاج قلباً هام مِنْ ... بُرَحِ التَفَرُّقِ بانْصِداعِ

غَيْمٌ أرَقُّ حَواشِياً ... مِن بُرْدِ ضافِيةِ القِناعِ

زَجِلُ الرُّعودِ كأنها ... نَغماتُ آلاتِ السَّماعِ

والهَمْعُ مثلُ الدمعِ مِن ... عَيْنَيْ مُراءٍ أو مُراعِ

يَهْمِي ويسكُن كي يعُمَّ ... برِيِّهِ شَعَفَ التِّلاعِ

والبرقُ يخفُق مثلَ قَلْ ... بِ الصَّبِّ في يوم الوَداعِ

ونَسِيمُه قد رَقَّ مِن ... حَرِّ اشْتياقِي والْتياعِي

لِفراق تاجِ الدِّين ما ... صِي الأمْرِ قاضِينَا المُطاع

مَن جُمِّعتْ فيه العُلَى ... وتوفرتْ فيه الدَّواعِي

ذِي الفضل بالمعنَى الأعَمِّ ... ولا أَخُصُّ ولا أُراعِي

سبقتْ أنامِلُه الأنا ... مَ فأحْرزَتْ قَصَبَ اليَرَاعِ

<<  <  ج: ص:  >  >>