للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ولا أنيسَ له إلاّ مُماثِلُكمْ ... على ثَبِيرِ جميلِ السَّفحِ والشّعَفِ

يُجيبُني بصَدَى صَوتي فأرفعُه ... مِن قِلّةِ الإلْفِ لا مِن كثرةِ الشّغَفِ

فهل وَفِيٌّ مِن الخِلاَّن يُسْعِدُنِي ... في الفجر أو بعد ما صُلِّي مع الحَنَفَي

يُجيبني أو يُجيب الغَيْرَ عنه وما ... يُجيبُني غيرُ مُحْيي الدِّين أو شَرَفِ

كُفوانِ يرْضاهما الإحسانُ إن نَطَقَا ... أو أُرْعِفَ الدَّنُّ للأقْلامِ في الصُّحُفِ

ومن بديع نظمه، ما كتبه في ديوان قصر ابن عقبة، في قرية السلامة، من أعمال الطائف، وهي قصيدة فريدة، لا يحضرني منها إلا قوله:

قصرَ ابنِ عُقْبةَ لا زالتْ مواصِلَةً ... مني إليك التَّحايَا نَسْمةُ السَّحَرِ

ولا عَدَتْك غَوادِي السُّحْبِ تسْحب في ... رِحابِك الفِيح ذَيْلَ الطَّلِّ والمَطَرِ

كم لَذّةٍ فيك أرضيْتُ الغرامَ بها ... يوماً وأرْغَمْتُ أنْفَ الشمسِ والقمرِ

وكم صديقٍ من الخِلاّنِ حاوَرَني ... أطْرافَ أخبارِ أهلِ الكْتبِ والسِّيَرِ

ويعجبني من شعره قوله في مطلع قصيدة مدح بها السيد شهوان ابن مسعود، وهو:

فَيْرُوزجٌ أو وِشامُ الغَادةِ الرُّودِ ... يبْدُو على سِمْطِ دُرٍ منه مَنْضُودِ

وأعجب منها مخلصها، وهو:

صَهْباءُ تَفْعلُ بالألْبابِ سَوْرَتُها ... فِعْلَ السَّخاءِ بشَهْوانِ بنِ مسعودِ

ومن شعره قوله في البرقع الشرقي، المعروف عند أهل اليمن:

وخَوْدٍ كبدرِ التِّمِّ في جُنْحِ مِصْوَنٍ ... حَماها عن الأبْصارِ بُرْقُعُها الشَّرْقِي

سِوَى طُرَّةٍ مثل الهلالِ بَدَتْ لنا ... على شَفَق والفَرْقُ كالفجرِ في الأُفْقِ

فقلتُ هلالٌ لاحَ والفجرُ طالعٌ ... من الغرب أمْ لاح الهلالُ من الشَّرْقِ

وقوله في مثل ذلك:

بالبُرْقِع الشرقيّ تح ... تَ المصْوَن الباهي الجمالْ

أَبْدَت لنا شَفقاً وكيْ ... لاً لاحَ بينهما الهلالْ

وقال معللاً تسمية القدح قدحاً:

مُذْ صَبَّ ساقينا الطِّلاَ ... حتى تناثرَ وانتضَحْ

خالوا شَراراً ما رأَوْا ... فلأَجْلِ ذا قالوا قَدَحْ

وله في صوفية عصره:

صُوفيَّةُ العصرِ والأوانِ ... صُوفِيَّةُ العَصْرِ والأوانِي

فاقُوا على فعلِ قومٍ لُوطٍ ... بنَقْرِزَانٍ لِنَقْرِزَانِ

وله، وهو معنى مبتكر:

ألا انْظُر إلى هذا الصَّفاءِ لِبِرْكَةٍ ... تقول لِمَن قد غاب عنها من الصَّحْبِ

لئِن غبْتَ عن عينِي وكدَّرْتَ مَشْرَبِي ... تأمَّلْ تجِدْ تِمْثالَ شَخْصِك في قَلْبِي

حنيف الدين بن عبد الرحمن المنيف في دوحة النبل فرعه، الحنيف في ملة الفضل شرعه.

قام مقام أبيه بعده، فصدق فيه الدهر وعده.

بمرأى كالصباح إذا وضح، ووجهٍ لو قابله البدر في تمه افتضح.

وفكرٍ أسرع في تدبر الأشياء من الوهم، ورأيٍ يفعل عزمه الشهم ما لا يفعله السهم.

فاستقر في مركز أبيه مكملاً لكمالاته، وهو بدر سمائه ومن عادة البدر أن لا يخرج عن هالاته.

فلم تنطق الأفواه بمدحه إلا وقفت وفيه كثرة الفكر، واستبقت السراة إلى سؤددٍ إلا تناهت وله محكم الذكر.

وهو في الفضل،

تجاوَز قَدْرَ المدحِ حتى كأنه ... بأحْسنِ ما يُثْنَى عليه يُعابُ

وفي الأدب،

تبوَّأ أسْمَى منزلٍ فازْدهَتْ به ... هضابٌ تسامَتْ للعُلَى وشِعابُ

وله أشعار بحبر الرقة موشاة، كأن صحائفها بنقوش الزبرجد محشاة.

فمنها قوله، مراجعاً عن لسان أبيه لبعض الأدباء:

تبدَّى لنا بَرْقٌ بأُفْقِ رُبَا نَجْدِ ... فأذْكَرني عَهْداً وناهِيكَ من عهدِ

وهَيَّمَنِي شوقاً وزاد بيَ الأسَى ... وأضْرَم لي نارَ الصَّبابةِ والوجْدِ

وجدَّد لي ذكرَ الليالي التي خَلَتْ ... وطِيبَ زمانٍ بالحِمَى طَيِّبِ الوِرْدِ

<<  <  ج: ص:  >  >>