للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

زماناً جلاَ ذو الحسن شمْسَ جمالهِ ... علينا فشاهدْنا به الشمسَ في بُرْدِ

وأبْدَتْ لنا ذاتُ الجمال جَبِينَها ... فأخْجَل بدرَ الأُفْقِ في طالِعِ السَّعْدِ

هي الروضُ تبْدو للأنام بوَجْهِها ... فتقْطفُ زهرَ الوردِ من خَدِّها الوردِي

وفاح لنا نَشْرُ الخُزامَى برَوضةٍ ... شَدَتْ وُرْقُها شوقاً على الأغْصُنِ المُلْدِ

تغنَّتْ على غصنِ الأَراكِ بمَدْحِ مَن ... علا قَدْرُه السامِي على ذِرْوةِ المجدِ

كمالُ قُضاةِ المسلمين إمامُهم ... ومُوضِحُ مِنْهاج الرَّشَادِ لِذي الرُّشْدِ

عليه مَدى الأيام منِّي تحيَّةٌ ... تفُوق فَتِيتَ المِسْكِ والعُودِ والنَّدِّ

وقال في مثل هذا الغرض:

غنَّتِ الوُرْقُ في المَسَأ والبُكورِ ... ساجِعاتٍ على غُصونِ الزهورِ

وتبدَّتْ من كَلَّةِ الحُسْنِ خَوْدٌ ... تُخْجِلُ الشمسَ مَعْ سَناءِ البدورِ

قد تحلَّتْ من الجمالِ بِعقْدٍ ... جَلَّ في الحُسْنِ والبَها عن نَظِيرِ

فاقْتطفْنا من خَدِّها زَهْرَ وَرْدٍ ... فاق نَشْرَ النِّسْرِين والمَنْثُورِ

وارْتشَفْنا من ثَغْرِها العَذْبِ شُهْداً ... فانْتشَوْنا لا نَشْوةَ المخمورِ

برَّدتْ بالوِصالِ قلبَ كَئِيبٍ ... كان فيه للهجرِ نارُ السَّعيرِ

يا لَها عَذْبةَ الثَّنايا رَداحاً ... قد تبدَّتْ في زِيِّ ظَبْيٍ غَرِيرِ

قد أتتْنا من عالِمِ العصرِ مَوْلىً ... قد تَسامَى على السُّها والأَثِيرِ

قد أتاني مولايَ منك كتابٌ ... ذُو نظامٍ حكى عُقودَ النُّحُورِ

فَفضضْتُ الخِتامَ عن كَنْزِ عِلمٍ ... حاز منه الغِناءَ كلُّ فقيرِ

فتأمَّلتُ في رياضِ حِماهُ ... وتنسَّمْتُ ما به من عَبِيرِ

فبَدا نَظْمُ طِرْسِه مع نَثْرٍ ... ذِي بَيانٍ فسُرَّ منه ضَمِيرِي

دُمْتَ يا أوْحَدَ الزمانِ فريداً ... في أمانٍ بحِفْظِ ربٍ خَبيرِ

ومن بديع شعره قوله:

أمْسي وأصبح من تَذْكارِكم وَصِبَا ... يرْثِي له المُشْفِقان الأهلُ والولدُ

قد خدَّد الدمعُ خدِّي من تذكُّرِكمْ ... واعْتادَنِي المُضْنِيان الوجدُ والكَمَدُ

وغاب عن مُقْلتِي نومِي لغَيْبتِكم ... وخانَنِي المُسْعدِان الصبرُ والجَلَدُ

لا غَرْوَ للدمعِ أن تجري غَوارِبُه ... وتحته المُظْلِمان القلبُ والكَبِدُ

كأنما مُهْجتي شِلوٌ بمَسْبَعةٍ ... ينْتابُها الضَّارِيان الذئبُ والأسدُ

لم يبْق غيرُ خَفِيِّ الرُّوحِ في جسدِي ... فِدىً لك الباقيانِ الرُّوحُ والجسدُ

القاضي تاج الدين المالكي إمام الحرمين وقاضيهما، ولوذعي خلهما الذي سلم له المناظر والمناضل.

فشرفه على سمك السماك مكان، ومجده كعبة أخلاقه لها أركان.

وقد زين مدةً مراقي المنابر، وأمد الفضلا بخطبه التي تنافست في نسخها الأقلام والمحابر.

وهو في الإنشاء تاج رأس أهله، والمقدم فيهم وإن كان جاء على مهله.

فالصاحب على ذكره محشور، وكأن الصابي من طيب نشره منشور.

وأما البديع فلو أدركه لكان بمنزلة غلامه، وعبد الحميد لو عاصره لكان بارياً لأقلامه.

وآثار أقلامه حلية الآداب العواطل، إذا ذكرت كاثرت السحب الهواطل.

وقد وقفت على رسائله التاجية فرأيت اللفظ المعجب، والقول المنجب.

وشاهدت الفضل عياناً، وعاينت التاج قد نثر عقياناً.

وأما نظمه فقد نظم في لبة الإحسان منه عقداً، كاد يتميز عليه سمط الثريا غيظاً وحقداً.

وقد جئتك من بدائعه بما أشرق بدره في مطالع تمه، وأخذت أطرافه بأجل الحسن وأتمه.

فمنه قوله من دالية عارض بها دالية أحمد المرشدي التي ذكرتها، وسيأتي معارضه ثالثة لهما، في ترجمة محمد بن حكيم الملك.

<<  <  ج: ص:  >  >>