للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ولما وقف عليها السيد أحمد بن مسعود ورآها، وشاها وشاها.

وشيد كل بيت من أبياته قصرا، وابتز ذلك المعنى باستحقاقه قسرا.

فقال:

للهِ ظَبْيٌ سِرْبُهُ ... يزْهُو به في المَحْفَلِ

قَنص الأُسودَ بغالِبٍ ... قَيْدِ الأوابدِ هَيْكَلِ

وله الجَوارِ المُنْشِئا ... تُ جَوَى الحُشاشةِ للْخَلِي

من كلِّ رُودٍ لَحْظُها ... يسْطُو بحَدِّ الْمُنَصُلِ

مُشْتاقها من ثَغْرِها ... وأثيثُها في مُشْكِلِ

فاق الغَوانِي حَالِيا ... تٍ عاطلٌ في هَيْكَلِي

ما قال في ظَلْمائِه ... يا أيُّها الليلُ انجَلِ

وحذا حذوهما القاضي أحمد المرشدي، فقال:

يا ربَّة الحُسْنِ الجَلِي ... لمُؤَمِّلِ المُتأمَّلِ

صدري ووجهي مُنْيَةٌ ... للمُجتنِي والمُجتلِي

فالْحَظْ بديعَ مَحاسنِي ... من تحتِ أنواعِ الحُلِي

تَجِدِ الهياكلَ والحُلِيَّ ... جمالها من هَيْكَلِي

وكتب إلى بعض أصدقائه قوله:

مَن كان بالوادي الذي هو غيرُ ذِي ... زَرْعٍ وعَزَّ عليه ما يُهْدِيهِ

فلَيُهْديَنَّ من المُفاكهةِ التي ... تحلُو فواكهُها لكلِّ نَبِيهِ

وله في غربية المتقدم وصفها:

خالفْتُ أهلَ العشقِ لمَّا شَرَّقُوا ... فجعلتُ نحوَ الغربِ وحدي مَذْهَبِي

قالوا عدَلْتَ عن الصوابِ وأنْشدُوا ... شَتَّان بين مُشرِّقٍ ومُغرِّبِ

فأجبْتُهم هذا دليلي وانظُروا ... للشمسِ هل تسْعَى لغيرِ المغْرِبِ

وله في المفاخرة بين الإبرة والمقص:

فاخَرَتْ إبرةٌ مِقَصّاً فقالتْ ... لِيَ فضلٌ عليكمْ بَادٍ مُسَلَّمْ

شأنُك القطعُ يا مِقَصُّ وشأْني ... وصلُ قطعٍ شَتَّان إن كنت تفْهمْ

وأصله قول بعضهم:

إنَّ شأنَ المِقَصِّ قَصُّ وِصالٍ ... فلهذا يَضِيعُ بين الجُلوسِ

وترى الإِبرةَ التي تُوصِل الْ ... قَطْعَ بِعزٍ مغروسةً في الرُّءُوسِ

وله في الفوارة:

وفَوَّارةٍ من مَرْوةٍ قاما ماؤُها ... كَبزْ بُوزِ إبْرِيقٍ وليس له عُرْوَهْ

بَدا ليَ لمَّا أن وردتُ صَفاؤُها ... ولا غَرْوَ أن يبدُو الصَّفاءُ من المَرْوَهْ

ومن فوائده، أنه سئل عن قول الصفي الحلي:

فلئن سطَتْ أيْدِي الفِراقِ وأبْعَدتْ ... بَدْراً تَحجَّب نِصْفُه بنَصِيفِ

فلقد نَعِمْتُ بوَصْلِه في مَنْزِلٍ ... قد طاب فيه مَرْبَعِي ومَصِيفِي

فأجابه بقوله: لا يخفى أن النصيف هو الخمار، فكأن الشاعر تخيل أن الجبين بدر تمامٍ كامل الاستدارة، ستر الجمال نصفه الأعلى، فلما تخيل ذلك قال:

بدراً تحجَّب نصفُه بنَصيف

ثم ضمنه بقوله:

أفْدِي التي جلَب الخُمارَ جبينُها ... تحت الخِمارِ لقلبيَ المَشْغُوفِ

فصَبا له لمَّا تحقق أنه ... بدرٌ تحَجَّب نِصْفُه بنَصِيفِ

وقد سئل عنه أيضاً الإمام زين العابدين الطبري، فأجاب بما نصه: النصيف الخمار، وكل ما يغطي الرأس، والوجه هو البدر في التشبيه، فمراد الشاعر أنها تلثمت ببعض النصيف الذي على رأسها، فسارت بذلك، ساترةً لنصف وجهها الأسفل المشبة بالبدر، فصار نصيفا ونقابا.

والنقاب ما تنقب به المرأة، كما في القاموس، وهو شاملٌ لما كان مستقلاً وبعض شيء آخر، كما يقال بمثله أيضاً في النصيف، فهو نصيف وإن غطى رأس الرأس مع الرأس.

وهذا الذي ذكرنا هو عادة غالب النساء الحسان في قصور العرب؛ فإن الواحدة منهن تنتقب بفاضل خمارها، فتفتن العقول بما ظهر من لواحظها وأسحارها.

انتهى.

القاضي محمد جمال الدين بن حسن ابن دراز جملة جمال، وتكملة كمال.

رتع في رياض الفنون فهصر أفنانها، وأجال جواد فكره في ميدان العلوم فملك عنانها.

أما الشعر فهو منمنم حلته وناظم حليه، وأما النثر فهو مبدع زهره ومنمق وشيه.

وكان فيصل أحكام، ومصدر إتقان وإحكام.

<<  <  ج: ص:  >  >>