للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أتُصِيبُ الصوابَ فكرةُ صَبٍ ... يحْتسي كأسَ فُرْقةِ الأحْبابِ

وتطَوّلْ وأسْبلِ السِّتْرَ صَفْحاً ... فهْو شأنُ الخِلِّ المُحِبِّ المُجابِ

في جَوابٍ عن نَخْلةٍ قد أتتْنا ... بِجَنَى النحْلِ في سُطورِ الكتابِ

أتْحفتْنا باللُّغْزِ في اسمِ أُخْتٍ ... لأبِينا خُصَّتْ بذا الانْتسابِ

وكَساها المَرْوِيُّ من شَبَهِ المُؤْ ... مِن فَضْلاً في سائرِ الأحْقابِ

وهْيَ ترْقَى من غير سَوْءٍ فطَوْراً ... يستحِقُّ الجانِي ألِيمَ العذابِ

ثم طَوْراً وهو الكثيرُ يُرَى الجْا ... نِي عليها من أفْضلِ الأصْحابِ

ولها إنْ تَشَأ تَصاحِيفُ منها ... مُفْرَدٌ فيه غايةُ الإغْرابِ

جاء قَلْبُ اسمِ جِنْسِه وهْو لَحْنٌ ... لا تُنافِيه صَنْعةُ الإعرابِ

ومُسَمَّى التصْحيفِ هذا إليه اللّ ... هُ أوْحَى سُبحانَه في الكتابِ

وهْو ذُو شَوْكةٍ وجُنْدٍ عظيمٍ ... خَلْفَ يَعْسُوبِه بغيرِ حسابِ

ذُو دَوِيٍ في جَحْفَلٍ يَمْلأُ الجَوَّ ... كرَعْدٍ في مُكْفَهِرِّ السحابِ

حيوانٌ وإن تُصحِّفْ جَمادٌ ... مُفْصِحٌ عن مُرادِ سامِي الجَنابِ

يا خليلِي بل يا أنا فاتِّحادِي ... بك يقْضِي بذا بغيرِ ارْتيابِ

إنَّ صُنْعِي في حَلِّيَ اللُّغْزِ باللُّ ... غزِ بديعٌ فلا تَفُه بِعتابِ

وابْقَ في نعمةٍ وفي جَمْعِ شَمْلٍ ... ببَنِيك الأفاضلِ الأنْجابِ

ما سَرَتْ نَفْحةُ الأزاهرِ ترْوِي ... ضَحِكَ الروضِ بُكاءِ السحابِ

وأعقب ذلك بنثرٍ صورته: المولى الذي إذا أخذ القلمَ ووَشَّى، وأرى غباره أرباب البلاغة والإنشا.

لا يرى على من رماه الدهر بسهمه، ولعبت صوالج الأحزان بكرة فهمه.

فمزج المدح بالرثا، وقابل النضر بالغثا.

فقد بان عذره، واتضح فعل الزمان به وغدره.

وقد كنت قبل إدراج هذا الرثاء في أثناء الجواب، أرقت ذات ليلةٍ من تجرع صاب ذلك المصاب.

فنفثت القريحة، في تلك اليلة التي كاد أن لا يكون لها صبيحة:

لقد كان رَوْضُ الأُنْسِ يزْهُو بوردة ... شَذَا كلِّ عِطْرٍ بعضُ نَفْحةِ طِيبِهَا

فمَدَّ إليها البَيْنُ كَفَّ اقْتطافِهِ ... وأمْحَلَ ذاك الرَّوْضُ بعد مَغِيبِهَا

ولم يصْفُ لي من بعدِها كَأْسُ لَذَّةٍ ... وكيف تلَذُّ النفسُ بعد حَبِيبِهَا

فرَوِّي ثَراها يا سحائبَ أدْمُعِي ... ومَن لي بأن تَرْوَى بسَحِّ صَبِيبِهَا

فقصدت أن أثبتها في ذيل الجواب وأخرياته، لما عسى أن يكون من محفوظات مولانا ومروياته.

وقد طال هذا الهذا، وطغى القلم بما هو للعين قذى.

فلنحبس عنانه، ونرح سمع المولى وعيانه.

حفيدة علي بن تاج الدين فاضلٌ نشر أدبه فأدهش مخبره، وتنسم صبا خلقه فعطر المشام مسكه وعنبره.

نشأ في حجر الكرم، متفيئاً ظل حرم المجد المحترم.

فطلع وفق ما اقتضته العناية، ودلت عليه كلمة الفضل بالصريح والكناية.

وقد رأيته وليس بينه والمنى حجاز، وحقيقة فضائله لا يطرقها مجاز.

فاستضأت حيناً بمنظره البهي، وتمتعت آونةً بلفظه الشهي.

ورأيت أدباً كالعمر في ريعانه، وسمعت شعراً كالشباب في رونقه ولمعانه.

فمما تناولته من شعره، قوله من قصيدة أولها:

على مِثْلِها من أعْيُنٍ كَحلُها السِّحْرُ ... يهُون الذي نَلْقَى وإن عَظُمَ الأمْرُ

فعنِّي إلى غيري العداةِ عَواذِلِي ... فلي شِرْعةٌ في الحبِّ لستُمْ بها تَدْرُوا

دَعُوني وما ألْقاه من حُبِّ شادِنٍ ... مَحاسنُه لي في الغرامِ به عُذْرُ

مِن التُّرْكِ لَمَّا في الحِياصَة قد بَدا ... رأتْ هالةً عَيْنِي ومنه بها بَدْرُ

<<  <  ج: ص:  >  >>