للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

تَوقَّدُ فِطْنةً وتسيلُ لُطْفاً ... جَمعْتَ بهنَّ يا مولايَ ضِدَّا

ووَشَّيْتَ البديعَ بحُسْنِ نثرٍ ... كمُخْضَلِّ الربيعِ شَذاً وأنْدَى

ودُرٍ أنت تَعْرِفُه كِبارٍ ... تُنظِّمه لِجيدِ الدهرِ عِقْدَا

ذَكاءٌ لم يجُزْه إياسُ كَهْلاً ... وعَمْرٌو ما به يوما تَحَدَّى

عظُمْتَ جَلالةً وعلَوْتَ قَدْراً ... فشاهدْنا الوقارَ لديْك أُحدَا

أعُدُّك مصدرَ الأحكامِ فينا ... هُمامٌ مذ أجار عُلاك نَقْدَا

وما للنَّقْدِ والذهبِ المُصفَّى ... لقد حقَّقْتَ في ذا النقدِ نَقْدَا

أمولانا أتتْك عروسُ فكرٍ ... تمُدُّ لمُمْتطَى نعْلَيْك خَدَّا

خَلَبْت شِغافَها بِنُعوتِ مجدٍ ... لذا أضْحَتْ لعَذْبِ لِقاكَ تَصْدَى

لِيَهْنِ العرشَ رَبُّ العرشِ مَوْلىً ... به اتَّسقَتْ أمورُ الدين نُضدَا

وتبْقَى صاعداً ذِرْواتِ عِزٍ ... بَنتْ أيدِي القضاءِ عليه سَدَّا

نأَى غَمٌّ يؤرِّخ عامَ: م بلْ ... غنائمُ أنتَ مَعْناهنَّ قَصْدَا

ولم تبْرح سِنيكَ ومن تَرَدَّى ... طِماعاً في لَحاقِك ما تَرَدَّى

فراجعته بقولي:

مُحِبٌّ في المَحبَّةِ ما تصدَّى ... لسُلْوانٍ وإن يكُ مات صَدَّا

وهيْهات النجاةُ وما يُعانِي ... هَوىً أدْناه إن لم يُفْنِ أرْدَى

أما وعيونِك الَّلاتي شَباها ... أبَى إلاَّ شِغافَ القلبِ غِمْدَا

لأَنت مُنَى الحياةِ فإن تكُنْها ... فبعدَك للمُنَى سُحْقاً وبُعْدَا

أيجمُل أن أُقضِّي فيك عمرِي ... وما عفَّرْتُ في مَمْشاك خَدَّا

ولو أخْطرْتُ ذِكْرَك في خَيالِي ... خشِيتُ بأن يُؤثَّر فيك حِقْدَا

فَدَيْتُكَ رَحْمةً لطريحِ عشقٍ ... إذا لم يقْضِ سُقْماً مات وَجْدَا

تذكَّر عهدَه فصبَا وآلَى ... بغيرِك ما رعَى للحبِّ عَهْدَا

إذا ما ليلهُ المُمتدُّ أرْخَى ... سَتائرَه طَواه أسىً وسُهْدَا

يبِيتُ وفي الحَشا منه اشْتعالٌ ... إذا قدَحت رعودُ البَرْقِ زَنْدَا

وليس له سميرٌ غيرَ مَدْحٍ ... يكون لصالحٍ شكراً وحَمْدَا

فتىً قد ألْبَس العَلْياء بُرْداً ... ومثَّل شخصَه أدَباً ومجدَا

له الفكرُ الذي إن شاء أنْشَا ... أفانِنَ الهوى وبها تحدَّى

بدائعُ منه تُلْحَم بالمَزايا ... وبالسحرِ الحلالِ غدَتْ تُسَدَّى

تعالى اللهُ قد أوْلاه طبعاً ... أغَضَّ من الرياضِ رُواً وأنْدَى

وأنْبَتَ مِن أيادِيه ربيعاً ... يُنمِّق فيه رَيْحانا ووَرْدَا

أنادِرةَ الزَّمان فَدَتْك رُوحِي ... ومَن لي أن تكون بها مُفَدَّى

أتتْني منك خَودٌ من سَناها ... تمَنَّى البدرُ لو كان اسْتمدَّا

رَبِيبةُ خِدْرِها في الصَّوْنِ تأْبَى ... يَدَيْ أملٍ إليها أن تُمَدَّا

منَحْتَ بها الودادَ المَحْضَ خِلاً ... يرى لك وُدَّه فَرْضاً ورَدَّا

وهاك ألُوكةً بثَناك تاهتْ ... وفاحتْ مَنْدِلاً رَطْباً ونَدَّا

ولو وفَّيْتُ مَدْحَكَ بعضَ حَقٍ ... إذاً نظَّمْتُ فيك الشُّهْبَ عِقْدَا

فعُذْراً إن أخْطارَ التَّنائِي ... بَنَتْ بيني وبين الفكرِ سَدَّا

وهذي الأربعون بلغتُ منها ... أشُدّاً ساق لي خَطْباً أشَدَّا

فلو كان الذي بي من سقامٍ ... على جبلٍ لأوْشَك أن يُهَدَّا

وغيرُك لا أراك لدفْعِ ما بي ... فقد أعْيَى دَواه الدهرَ جُهْدَا

<<  <  ج: ص:  >  >>