وهنا أذكر لي شيخين، وعلمين في العلم راسخين.
أخذت عنهما، واستفدت منهما.
وهما: الحسن بن علي العجمي، وأحمد بن محمد النحلي.
كلٌ منهما في ذلك الأفق قمرٌ باهر السناء والسنا، وقصده أسنى قصدٍ توخاه المدح والثنا.
هدايته متكلفةٌ بإحياء علوم الدين، وغرشاده يتولى منهاج العابدين.
ودعاؤه بظهر الغيب عدة وعدد، وبره حالي الظعن والإقامة معتمل معتمد، ومجال المعرفة بفضله لا يحصره أمد.
وردت منهما حضرة الأنوار المفاضة، وجعلت قصدهما بحجة سفري طواف الإفاضة.
فأرياني من الجد ما لو كان بظبة صارمٍ ما نبا له غرار، ومن البشر ما لو سال بصفحة البدر ما خيف عليه سرار.
فلله هما قد خلصا للناقد، ورفلا في أزرٍ من الحمد طيبة المعاقد.
وللعهد أنا لست أنساهما فأذكرهما، وإذا ذكرتهما فكلي ألسنةٌ تحمدهما وتشكرهما.
وبهما أرجو من الله حسن المتاب، وأن أكون ممن تناول بيمينه الكتاب.
أدباء المدينة المنورة لا برحت بحراسة الله من الأسواء مسورة السيد حسن بن شدقم الحسيني الحسن السمت، المستحسن الصمت.
المرموق المعتنى والمعتلى، المعشوق المجتنى والمجتلى.
تصدر من مركز السيادة في الرتبة المكينة، وبلغ في العلم رتبة أسلافه إلى أن ينتهوا إلى باب تلك المدينة.
وكان قد دخل الهند في صباه، فأحبه بعض ملوكها وحباه، وعقد لسماع كلماته حباه.
ثم أملكه كريمته فأردف تكريمه بتكريره، وأتبع توقيره بتوفيره.
فاجتلى عرائس آماله في منصات نيلها، واستطلع أقمار سعده في نواشي ليلها.
وكان من فعله الحسن ما قدره بحزمه، ودبره في تمشيه مآل حاله بقوة جزمه، إرساله في كل عام إلى بلده جملةً من المال، فاصطفيت له بها حدائق وقصورٌ على وفق ما جنح إليه ومال: ولما مات الملك أبو زوجه، وسقط قمر حياته من أوجه.
انقلب بأهله إلى وطنه مصاحباً رفاهيةً زاهية، وأقام مدةً في عيشه بخويصة نفسه باهرةً باهية.
إلا أن الرياسة التي فرخت في أم راسه، والمكانة التي شدت عراها بأمراسه.
لم يجد عنهما عوضاً في وطنه، فانتهى إلى الهند شاكياً ضيق عطنه.
فمن شعره ما قاله حين أنف من الإقامة في بلده:
وليس غريباً مَن نأَى عن ديارِه ... إذا كان ذَا مالٍ ويُنْسَبُ للفضلِ
وإني غريبٌ بين سُكانِ طَيْبةٍ ... وإن كنت ذا مالٍ وعلمٍ وفي أهْلِي
وليس ذهابُ الرُّوح يوماً مَنِيَّةً ... ولكنْ ذهابُ الرُّوحِ في عَدَمِ الشِّكْلِ
وهو من قول البستي:
وإنِّي غريبٌ بين بُسْتَ وأهْلِها ... وإن كان فيها جيرَتِي وبها أهْلِي
وما غُرْبةُ الإنسانِ في شُقَّةِ النَّوَى ... ولكنها واللهِ في عَدَمِ الشِّكْلِ
ولابن معصوم في المعنى:
وإنِّي غريبٌ بين قومي وجيرتِي ... وأهْلِيَ حتى ما كأنَّهُمُ أهلِي
وليس غريبُ الدَّارِ مَن راح نائياً ... عن الأهلِ لكنْ مَن غدا نائِيَ الشِّكل
فمن لي بخِلٍ في الزَّمانِ مُشاكلٍ ... ألُفُّ به من بعدِ طُولِ النَّوى شَمْلِي
ومن شعر السيد حسن قوله:
لابُدَّ للإنسانِ مِن صاحبٍ ... يُبْدِي له المَكْنونَ من سِرِّهِ
فاصْحَبْ كريمَ الأصلِ ذا عِفَّةٍ ... تأمَنْ وإن عادَاك مِن شَرِّهِ
ولده السيد محمد فرع دوحةٍ زكت مفارعها، وطابت بطيبة الطيبة مشارعها.
له خبرٌ تتعطر به المجالس، ويتنادم عليه المنادم والمجالس.
إلى ما تميز به من الشعر الرصين، الذي يباهي بتنميقه نقوش الصين.
غرد به ساجع إطرائه وصدح، وأورى زناد البيان وقدح.
فمنه قوله، مذيلاً بيت أبي دهبل مقتفياً للشريف المرتضى:
وأبْرَزْتُها بَطْحاءَ مكةَ بعدَما ... أصاتَ المُنادِي بالصَّلاةِ فأعْتَمَا
فأرَّج أرْجاءَ المُعَرَّف عَرْفُها ... وأضْوَى ضِياها الزِّبْرِقان المُعَظَّمَا
وحَيَّي مُحيَّاها المُلَبُّون وانْتَشَوْا ... بنَشْرِ مُحيَّاها المُمَنَّع واللَّمَى
ورَوَّض منها كل أرضٍ مَشَتْ بها ... تجُرُّ التَّصابي بين أتْرابِها الدُّمَى