بِضمَّ الْقَنا تَذْرِي جُسُومَ عِداتِها ... وتسْقِي ثَراها من دِماءِ المفارِقِ
إذا أوْلجتْ نحوَ العَدُوِّ خُيولهمْ ... تبارَتْ ليوثُ الْغابِ شِبْه الخَرانِقِ
تنازلُهم ما بين نَجْدٍ ويَثْرِبٍ ... جَنُوباً وشَاماً في رؤوسِ الشَّواهِقِ
غُيوثٌ إذا حَلَّ النَّزِيلُ بأرْضِهم ... وإن أمَّها الْباغِي فهم كالصَّواعِقِ
كِرامٌ يُجازُون الجميلَ بمثْلِه ... ويَرْعَونَ وُدّاً للْحَمِيم المُصَادِقِ
مَنِيعُون إن لاَذَ المُخافُ بظلِّهم ... كَسَوْه بسِربالٍ من الأمْنِ فائِقِ
وَدَدْتُهم إذ أشْبَهُوا بِفعالهم ... فِعال كريم طاهر الأصل صادقِ
الخطيب عبد الله بن إلياس إمام المدينة وخطيبها، وعرفها الذي طاب وطيبها.
أتهم في التحلي بشعار الإمامة وأنجد، وقام في حفل الفصاحة خطيباً يركع لإمامته ويسجد.
وقد التحف الفضل برداً، وأصبح في الأدب علماً فرداً، مع خلقٍ جانبه لدن، وطبع حضرته جنة عدن.
وهو إلى القلوب متحبب، وعما يسيء ويشين متجنب.
وله نثرٌ ونظم، هذا تتضاءل له النجوم في أفقها، وهذا تتستر البدور حياءً منه في شفقها.
فمن نظمه قوله في العروض:
إن العَرُوضَ لَبَحْرٌ ... تعومُ فيه الخَواطِرْ
وكلُّ منْ عام فيه ... دارتْ عليه الدَّوائرْ
وبخط السيد محمد كبريت ما نصه: أنشدني إجازة لنفسِه سيدي العفيف عبد الله بن الخطيب إلياس، سلما من المكروه والباس:
يا سيِّدي قُم لي ولا ... تَدَعِ الوقِيعة والعَتبْ
كيْلا يُقال مُقَصِّرٌ ... فأكون فيه أنا السَّبَبْ
فقلت وإن لم يبلغ الظالع شأو الضليع:
لِمَ لا أقومُ لسيِّدِي ... مِن غيرِ أن أخْشَى العَتَبْ
وهو الذي قامتْ له ... بثنائها عَلْيا الرُّتَبْ
وقلت في المعنى، من بحر الخبب:
أقُومُ على الرَّأسِ مَهْما بَدا ... جَمالُك لاجْتنابِ العَتَبْ
ولِمْ لا أقومُ وأنت الذي ... لِعَلْياهُ قامتْ كِرامُ الرُّتَبْ
ولبعضهم في المعنى:
قِيامِي والعزيز لَدَيْكَ فَرْضٌ ... وتَرْكُ الفضلِ ما لاَ يسْتقيمُ
فهل أحَدٌ له عَقْلٌ ولُبٌّ ... ومَعْرفةٌ يراك ولا يقُومُ
وما ألطف قول بعضهم معتذراً عن عدم القيام:
عِلَّةٌ سُمِّيَتْ ثمانين عاماً ... منَعتْني للأصدقاءِ القِيامَا
فإذا عُمِّروا تمهَّد عُذْرِي ... عندهم بالذي ذكرتُ وقامَا
وللشهاب المنصوري:
ومَن ذهَبتْ بلُحْمتِه اللَّيالِي ... أيُمْكِنُ أن يكون له قِيامُ
قيام الثوب، في كلام العامة: ما يقابل لحمته.
وذكرت هنا، ما حكاه أرباب السير، عن الصاحب إسماعيل بن عباد، أنه لما كان ببغداد، قصد القاضي أبا السائب عتبة بن عبيد لقضاء حقه، فتثاقل في القيام، وتحفز تحفزاً أراه به ضعف حركته، وقصور نهضته، فأخذ الصاحب بضبعه، وأقامه، وقال: نعين القاضي على حقوق إخوانه.
فخجل القاضي، واعتذر إليه.
وبخط السيد محمد كبريت: كتبت إلى سدته العلية، يعني الخطيب:
يا أيُّها المولى الذي فاق الورَى ... بِبيَان مَنْطقِه البديعِ الزّينِ
هاتِ افْتِنا في زيدٍ المخْفوضِ في ... ما قامَ إلاَّ زيدٍ المسْكِينِ
فكتب مجيباً:
يا مَن بِشَمْسِ عُلومه زال الكرَى ... فعَدا بمصْباحِ الهُدى كالعينِ
إنِّي أقولُ جَوابُكم وبيَ الجَوى ... في فَرْدِ بَيْتٍ زان في العَيْنَيْنِ
زيدٌ تُصُوِّرَ جَرُّه بإضافةٍ ... لْلآلِ وهْو العهدُ للإثْنَينِ
حاكته أيادي الوداد بأنامل الإخلاص، وسبكتها في قوالب الاتحاد فما حاكتها سبائك الخلاص.
إلى الحضرة التي يحق لي أن أحن إليها وأشتاق، ويليق بي أن أطير مع حمائم البطائق لأفد عليها لو أن ذلك مما يطاق.
تهدلت أغصان دوحة رياسته، وتهللت جباه جلالته ونفاسته.
حبٌ موثوقٌ بالعرى، وقلبٌ منبوذٌ بالعرا.