أأتَّخِذُ العراقَ هَوىً وداراً ... ومَن أهواهُ في أرضِ الشَّآمِ
بيد أن له في سعة الفضل رجا، وفي اجتماع الشمل ما تحار فيه عقول ألي الحجى.
ولا يزال يتذكر سويعاتٍ مرت ما كان أحلاها، وأويقات ليس في يده إلا أنه يتمناها.
فيا ما كان أحسْنه زماناً ... ويا ما كان أطْيَبَه ويا مَا
وبعد كل حالٍ فسلامة المولى هي منتهى الطلب، إذا كان في صحةٍ فما أنا إلا فيها أتقلب.
غرس الدين بن محمد الخليلي إمام العصر بروضة النبي، والمقدم في حلبة البيان على رغم المخال والأبي.
بلغ من الوجاهة مبلغاً تفرد فيه، وقالت له الأيام حسب أملك ويكفيه.
ما شئت من جدٍ يعجز النجم عن لحاقه، وأدب لو بلغه البدر ما شين قط بمحاقه.
اقتنص بشرك بديهته متمنعات الأوابد الشوارد، وفجر من بلاغته وبراعته حياضاً عذبة المناهل والموارد.
وله تآليف سلك فيها الطريقة السوية، وجنح برأيه إلى أحسن الروية.
وشعره إن لم يكن كقدره في أعلى الدرج، فهو من خير الأمور المأمون قائله من الحرج.
فمنه قوله في مدح القهوة:
دَعِ الصَّهباءَ واشرب صِرْفَ قِشْرِ ... مُشعْشَعةً تدور بكفِّ بَدْرِ
وإن شئْتَ الشفا بادِر سَرِيعاً ... إلى حانٍ لها قد حان بَدْرِي
فما الياقوتُ في لونٍ نَضِيرٍ ... وما لَوْنُ النُّضارِ ولونُ تِبْرِ
دَعِ الفاروقَ إن رُمْتَ التَّداوِي ... وخُذْها فهْي للأسْقامِ تُبْرِي
كأنَّ حَبابَها الْمَنظومَ عِقْدٌ ... من الياقوت يُجْلَى فوق نَحْرِ
سأسْعَى نحوَ مَرْوَتِها أُلَبِّي ... ليصْفُو بالصَّفَا صَدْرِي ونَحْرِي
نَدِمتُ نَدامةَ الكُسَعِي عليها ... لِما قد فات من أيَّامِ عُمْرِي
سأُدْمِنُ شُرْبَها ما دمتُ حَيّاً ... ولا أصْغِي إلى زَيدٍ وعمرِو
وأجْلُو عَيْنَ أغْيارِي وهَمِّي ... بصَافِيها سُحَيْراً قبل فَجْرِ
هي الرَّاحُ المُرِيحُ لكلِّ رُوحٍ ... ولم تُمْزَج ولم تُوجَد بعَصْرِ
وكلُّ مُخالفٍ فيها فإنِّي ... أُسَفِّهُ قولَه من أهلِ عَصْرِي
فقُل إن قال ساقِيها المُفَدَّى ... جَباً يا مَرْحباً واشْكُرْ لشُكْرِ
وخُذْها من يديْهِ في حُضورٍ ... مع السَّاقي المَليحِ بغير سُكْرِ
فلا غَوْلٌ ولا تَأْثِيمَ فيها ... وليستْ مُزَّةً بل طعمَ تَمْرِ
وإن غالَى المُحِبُّ وقال أشهد ... أُجِيبُ نَعم إذا ما كان تمرِي
ولولا مِدْحَتِي للبُنِّ قَبْلاً ... لَعُدْتُ له بهَجْوٍ ثم هَجْرِ
لِيُبْس طِباعِه وسَوادِ قلبٍ ... له فهْو الحَرِيُّ بكلِّ هُجْرِ
ومن لطائفه قوله مخاطباً الوزير الأعظم مصطفى باشا، يحثه على إزالة الخصيان من المسجد النبوي:
يا مصطَفى بالمصطَفى العَدْنَانِ ... وبآيِ قُرآنٍ عظيمِ الشَّانِ
لا تجْعَلَنَّ على المدينةِ أسْوداً ... شيخاً على حَرَمِ النبِي العَدْنانِي
وكذلك الحُبْشانُ أيضاً منهمُ ... فهُمُ همُ لا خيرَ في الحُبْشانِ
بل جاء في خبَرٍ رَواه بعضُهم ... ها لفظُهُ لا خيرَ في السُّودَانِ
قومٌ لهم طَبْعٌ شَدِيدٌ زَائدٌ ... لا يشْبعون من الحُطامِ الْفَانِي
لولا المَخافةُ منكمُ لأتاكمُ ... شاكُونَ من هَمٍ ومن أحْزانِ
وإذا أرَدْتُمْ أنَّكم تسْتيْقِنُوا ... أحْوالَهم من غيرِ ما بُهْتانِ
فلْتسألوا حَنَفِي أفندي عنهمُ ... يُخْبِرْكُمُ عن خُلْسةِ الغِرْبانِ
ما كلُّ ما يُدْرَى يُقالُ وأنتمُ ... أدْرَى بَطيْشِ السادةِ الخِصْيانِ
يسْتنْزِلون لأَخْذِ ما قد جاءَ من ... صَدقاتِ خيرٍ للفقيرِ الْعَانِي
فَيصيبُ أهل الفضلِ من صَدَقاتِكُمْ ... ما ساءَهم من أسْهُمِ الحِرْمانِ