فانْظُر لنا شَيْخاً نَقِيباً صَالِحاً ... مُسْتَنْزِهاً عن ذَا الحطامِ الْفانِي
إن لم يَجُزْ إلا خَصِيّاً أسْوداً ... فاخْصُوا لنا شَيْخاً من البِيضانِ
يا وَيْحَكم إن لم تُراعُوا حَقَّنا ... يومَ الحسابِ بحَضْرةِ الدَّيَّانِ
يوماً تكونُوا مثْلَنا ما إنْ لكمْ ... في الناسِ من أمرٍ ومن سلطانِ
هَذِي نصيحةُ غَرْسِكم في رَوضةٍ الْ ... هادِي إلى الإسلامِ والإيمانِ
يدعُو لسُلْطانِ الورى ولمصطفَى ... سيفِ الإلهِ وعاضِدِ السلطانِ
وذكر القاضي أحمد بن عيسى المرشدي، في تذكرته: ورد علينا في أثناء عام خمسٍ وأربعين وألف الشيخ الأوحد الأكمل غرس الدين المقدسي، الخطيب والإمام بالروضة المشرفة، على صاحبها الصلاة والسلام، ولو يوافه أهل مكة، فقال معرضا:
علماءُ مكةَ جاوَزُوا الأفْلاَكا ... عِزَّاً وحُقَّ لهم لعَمْرِيَ ذَاكَا
لولا الريِّاسةُ في رُءُوسِ نُفوسِهمْ ... كانوا وحقِّك كُلُّهم أمْلاكَا
وقال أيضاً:
جِيرانُ مكةَ جِيرانُ الإلهِ لِذَا ... لا يَعْبَأُون بمَن قد غاب أو حَضَرَا
لولا الطَّبِيعةُ عاقَتْهم لَكان لهمإسْراءُ رُوحٍ بِسرِّ رُوحٍ بِسرِّ السِّرِّ قد ظَفِرَا
فقال بعض السادة الأشراف، المتصل محتدهم الزاكي بالمغيرة عبد مناف، فخر الشجرة التي أصلها ثابت وفرعها في السما، أكرم به نسباً ومنتمى، على طريق الجواب عن الأولين:
للهِ دَرُّكَ من أديبٍ بارعٍ ... بذَكائِه ما يُعْجِزُ الإدْراكَا
أحْسَنْتَ إذ أتْحَفْتنا ببَدائعٍ ... بَهَرتْ وإن جادتْ فدون مَداكَا
فَجَهابِذُ البيتِ الحرامِ مُذِيعةٌ ... بِأرِيجِ مَدْحٍ من بَدِيِعِ ثَناكَا
وهمُ الجَحاجِحُ والذين سَمَوْا بمَن ... خَرَم السَّما واسْتخْدم الأمْلاكَا
لا غَرْوَ أن جَازُوا الأَثِيرَ بفضْلِهمْ ... وعَلَوا بحَقِّ جَوازِه الأفْلاكَا
وعن الثانيين:
يا مُفْلِقاً لم يزَلْ في كلِّ غامِضةٍ ... يُبْدِي بها فَلَقاً بالحقِّ قد ظَهَرَا
وبَحْرَ عِلْمٍ تَحلَّى من فَرائِدِه ... جِيدُ البَلاغةِ عِقْداً يفْضَحُ الدُّرَرَا
أتيْتَ حقّاً وعينُ الفضلِ شاهدةٌ ... وأنتَ إنْسانُها الرَّائِي بغير مِرَا
لكنْ إليك اعتذاراً منهمُ فذَوُو الْ ... أفْضالِ يعْذِر مَن قد جاء مُعْتذِرَا
لم يتركُوك لإهْمالٍ ومَنْقَصَةٍ ... لكن حَجَبْتَهم فالذنبُ منك يُرَى
وأجابه أيضاً القاضي تاج الدين المالكي، بقوله:
جيرانُ مكةَ غَرْس الدَّين أيْنَع في ... قُلوبِهم باسِقاً يهْدِي الهُدَى ثَمَرَا
سَقَوْه من أنْهُرِ الإخْلاصِ صَافِيهَا ... فاخْضَلَّ يُطْلِع من أكْمامِها زَهَرَا
ومن يكُن رَوْضُ غَرْسِ الدِّين مُهْجَتَهُ ... أسْرَى وفازَ بسِرِّ السِّرِّحين سَرَى
به قد اتَّحَدُوا إذْ كان بَيْنَهمُ ... تَواصُلٌ مَعْنَوِيٌّ مِن ألَسْتُ جَرَى
فحيثُ دارتْ كؤوسُ الاتِّحادِ على الْ ... أرْواحِ مَا اعْتَبَرُوا الأشْباحَ والصُّوَرَا
فأجاب الغرس معتذراً:
يا شَهْمَ مكةَ يا تاجَ الرُّءُوسِ بها ... يا عُنْصُرَ الفضلِ قد بَكَّتَّ مَن عَذَرَا
يا حَبْرَ عِلْمٍ يزيدُ الطَّالِبين بها ... يا بَحْرَ فضلٍ به نَسْتخْرِجُ الدُّرَرَا
يا رَبَّ حِذْقٍ غَدا رَبُّ البَيانِ له ... عَبْداً وألْقَى عَصا التَّسْليمِ مُفْتقِرَا
يا ألْمَعِيّاً أضاءتْ من لَوامِعِهِ ... مَشارِقُ الذِّهْنِ بالذَّوْقِ الذي بَهَرَا
يا لَوْذَعِيّاً بلا عِيٍ يُمازِجُه ... أعْيَى وأفْحَم كُلاً قال أو شَعَرَا