للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يا رَبَّ ظَرْفٍ ولُطْفٍ كَسَّرا خَطَأً ... أغْصانَ غَرْسِي على بُعْدِ وما شَعَرَا

هل تَرْفِيَنَّ الذي أخْلَقْتَ من حُلَلِي ... أو تقْبَلَنَّ الذي يأْتِيكَ مُعْتذِرَا

فأجابه القاضي بقوله:

كَلَّلْتَ إكْلِيلَ تاجِي بالثَّنَا دُرَرَا ... لمَّا بعثْتَ بِعقْدِ المدحِ مُعْتذِرَا

مُضمّخاً طِيبَ شُكْرٍ عَرْفُ نَفْحتهِ ... كرَوضِ غَرْسِكَ حَيَّتْه الصَّبَا سَحَرَا

غَرْسٌ روَى حين رَوَّى الفضلُ مَنْبِته ... للسَّمْعِ نَوَّارُه عن طِيبهِ خَبَرَا

غَرْسٌ من المَبْدإ الفَيَّاضِ قد سُقِيَتْ ... أعْراقُه فسَمَا يهْدِي الهُدَى ثَمَرَا

إنِّي عَقَدْتُ وقد عَرَّضْتَ مُعْترِضاً ... لِعِرْضِ قومٍ ثناهُم لم يزَلْ عَطِرَا

هذا إلى ما هُوَ الأحْرَى بنَا وبهِ ... إذا اقْتَفيْنا طريقَ القَوْمِ والأثَرَا

فخِرْقَةُ الفَقْرِ إن لم يُوفِ لاَبِسُها ... بشَرْطِها نَبَذَتْه كاسِياً بِعَرَا

عَوْداً لبَدْءٍ فمِمَّ الاعْتذارُ ولم ... تُقِرَّ إذْ قلتَ بَكَّتَّ الذي عَذَرَا

وقلتَ في حَقِّ مَن جَازَى وعَرَّض لم ... يشعُروا أغْصانُ غَرْسِي مُخطِياً كَسَرَا

قد حَصْحَصَ الحقُّ فاعلمْ أنَّما كُسِرتْ ... أغْصانُ غَرْسِ الذي أخْطَا وما شَعَرَا

أقْرِرْ بذنْبِك ثم اطْلُبْ تَجاوُزَهمْ ... عنه فَجحْدُكَ ذنبٌ غيرَ ما غَبَرَا

قضى بما جَرَتِ الأقْلامُ منك بما ... جَرَى به القلمُ المَحْتومُ حين جَرَى

يَكْبُو الجَوادُ ومَن يَعْثرْ يُقَلْ كَرَماً ... فنسألُ اللهَ غُفْرانَاً لمن عَثَرَا

وقال المرشدي أيضاً: كان غرس الدين كتب إلى مولانا القاضي تاج الدين أبياتاً، ذكرني فيها مجرداً عن الناصب والجازم، بأن قال:

وأحمدُ المُرْشِدِي في ذاك قد حَضَرا

ثم اعتذر مني، فكتبت إليه ستة أبيات، وأردت أكملها، فأكملها السيد أحمد بن مسعود ستةً أخرى، وبعثها إليه، وهي:

غَرَسْنا لغَرْسِ الدين في قلبنا الوُدَّا ... فأطْلَع من أكْمامِ أفواهِنا الوَرْدا

فعطَّر لمَّا أن جَنَتْه يدُ الوَفَا ... وضَاعَ فأذْكَى عَرْفُه العَنْبَرَ الوَرْدَا

سَقَيْناه من عَذْبِ التَّصافِي زُلالَه ... وما كَدَّرتْ مِنَّا له جَفْوَةٌ وُدَّا

رعَى اللهُ مَن يَرْعَى أخاه إذا هَفَا ... ويوُسِعُه مِن أن يُقابِلَه حَمْدَا

وذلك غَرْسُ الدِّين لا زال بَاسِقاً ... برَوْضةِ مَن يسْقِي غَرائِسَهُ المَيْدَا

ويذكُر عَهْداً أحْكَمَتْ في قُلوبِنَا ... أَوَاخِيه أيْدِي الوُدِّ أكْرِمْ به عَهْدَا

إمامٌ سَمَا فوق السِّماكِ بأَخْمَصٍ ... وجاوَزه حتى شَئَا الأيْنَ والحَدَّا

وناظِمُ أشْتاتِ العلومِ بنَثْرِه ... فيَنْظِمه في جِيدِ أهلِ الحِجَى عِقْدَا

وكاشِفُ ليلِ الجَهْلِ من صُبْحِ عِلْمِه ... بشمسٍ فتكْسُوه أشِعَّتُها بُرْدَا

أتيْتَ بفَضْلٍ فاسْتحقَّيْتَ شاهداً ... لأحمدَ فاسْتَوْلَيْتَ عنِّي به مجدَا

وأظْهَرْتَ بالإفْضالِ ما كنت مُضْمِراً ... فكنتَ به أحْرَى وكنتَ به أجْدَى

ولا عَجَبٌ سَبْقُ الجِيادِ لأنها ... مُعَوَّدةٌ بالسَّبْقِ إن كُلِّفَتْ شَدَّا

فأجابهما بقوله:

أقول وقد غَلَّبْتُ خيرَكما جَدَّا ... وقاعدةُ التغْليبِ معروفةٌ جِدَّا

حَمَدْتُ إلهي أن غَرَسْتَ لنا الوُدَّا ... أيا أحْمدُ السَّامِي سِمَاكَ السَّما حَمْدَا

فأيْنَعَ غَرْسِي بعد ما كان ذَاوِياً ... وأطْلَع عن أكْمامِه الزَّهْرَ والوَرْدَا

<<  <  ج: ص:  >  >>