للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إن جئْتني مِصْراً فقد أسعَفْتَني ... يا خَيْبَةَ المَسْعَى إذا لم تُسْعِفِ

ما حَبَّني بالصِّدقِ شَخْصٌ غيرَكم ... حَقّاً وكيف يُحِبُّ مَن لم يَعْرِفِ

أوْفُوا لوَعدِي سُرْعةً من فضلِكمْ ... كَرَماً فإنِّي ذلك الخِلُّ الوَفِي

لو قد وَهبْتُ مُبَشِّرِي بقُدومِكمْ ... رُوحِي وحَقِّ جَمالكم لم أُنْصِفِ

ولقد كَلِفْتُ بحُبِّ أصْلِكمُ لِذا ... كَلَفي بكم خُلُقٌ بغيرِ تَكَلُّفِ

ومن مقطعاته قوله:

مَن يطلُبِ الإنْصافَ في عصرِنا ... فذاك من حُمْقٍ به مُنْكَشِفْ

كيف وعَيْنُ الشرْعِ مَقْلُوعَة ... وشَمْسُه في أُفْقِه تَنْكَسِفْ

مثله لعبد البر الفيومي:

مَن رَام في ذا العصرِ إنْصافَهُ ... والشَّرْع من حُكَّامِه لم يُصِبْ

قُضَاتُه قد قلَعُوا عَيْنَه ... فشَرُّهم من نَقْصِهم مُنْتصِبْ

وقوله:

إذا رأيتَ وَلِيّاً ... مُغْرىً بِحرْصٍ وبُخْلِ

فليس ذاك وَلِيّاً ... للرَّبِّ بل عَبْدُ جَهْلِ

وقوله:

إني لأَعْجَبُ مِمَّا ... صار الزَّمانُ إلَيْهِ

إذْ ما بكيْتُ لدهرٍ ... إلاَّ بكيْتُ عَليْهِ

هذا كالاختصار لقول ابن المعتز:

عَجَباً للزَّمانِ في حَالتَيْهِ ... وبَلاءٍ دُفِعْتُ منه إلَيْهِ

رُبَّ يَوْمٍ بَكيْتُ منه فلمَّا ... صِرْتُ في غيرهِ بَكَيْتُ علَيْهِ

السيد محمد بن عبد الله الهشير بكبريت مفرد قائمٌ بجمع، وله خبرٌ حلية فمٍ وسمع.

أكثر من الرحلة والانتقال، وتحمل بنحلة أهل الحال الأعباء الثقال.

طالباً نشيدة حقٍ يعقلها، وصيقلاً يفتح عن مرآته الصدئة ويصقلها.

ثم رجع إلى وطنه واقام بها معتزلا، وقد تبوأ من رياسة العلم محلاً ومنزلا.

وألف تآليف أحسن فيها ما شا، وأتى فيها من الغرائب بما مازج سلافة طربٍ وانتشا.

فتنبه له حزبٌ رموه بشرر الانتقاد، وزعموا أنه قد أساء الاعتقاد.

ونسبوا إليه كلماتٍ هو من اعتقاد ظاهرها بري، وأنا ما أتحققه إلا من كل سوءٍ عري.

ومثل هذا فيه لا يقدح، فما زالت الأشراف تهجى وتمدح.

وداعية ذلك ما قاله ابن معصوم، من أنه لم يكن له في سائر العلوم، رسوخ قدم معلوم.

قال: وأخبرني الوالد بسماعه عنه، أن أستاذه خالف في تعليمه النظام، فنقله من الأجرومية إلى الكشاف، وأبدله النشاف من الارتشاف.

انتهى.

قلت: وهو في الأدب ممن سلم له أهله، وله شعرٌ يعرف منه منطبع القول وسهله.

فمنه قوله:

هَبُوا أنَّ ذاك الحسنَ عَنِّي مُحَجَّبٌ ... أليس بِرَيَّاهُ سَرَتْ نَسْمةُ الصَّبَا

إذا رُمْتَ أن تُبْدِي مَصُوناتِ خِدْرِهِ ... فحدِّثْ بذاك الحيِّ عن ذلك الخِبَا

وقوله:

أرى مُطالَعَتي في الكُتْبِ ما نفَعتْ ... لعل وجهَك يُغْنِينِي عن الكُتُبِ

فمن رأَى وَجْهَك الباهِي وطَلْعتَهُ ... فإنَّه في غِنىً عن كلٍ مُكْتَتَبِ

وقوله:

وإذا جلستَ إلى الرجالِ وأشْرقتْ ... في جَوِّ باطِنك المَعاني الشُّرَّدُ

فاحْذَرْ مُناظَرةَ الجَهُولِ فرُبما ... تَغْتاظُ أنت ويسْتفيد فيحسُدُ

وقوله مضمنا:

ما لي ولِلْمَجْدِ والأيَّامُ عابِسةٌ ... والخَطُّ طُولَ الدهرِ في عَتَبِ

ما أصْعَب الشَّيْءَ تَرْجُوه فَتُحْرَمُه ... لاسِيَّما بعد طولِ الجُهْدِ والتَّعَبِ

وقوله:

يُنازِعني شَوْقِي إلى الهنْدِ تارةً ... وأُخْرَى لأرْضِ الرُّومِ والشَّوْقُ لا يُجْدِي

وما الهندُ من قَصْدِي ولكنْ بِسُوحِها ... رأَى قَصدَه فيها الفؤادُ من الوَجْدِ

وقوله:

يا مَن يُؤمِّل راحةً من دهرهِ ... صَبْراً على ما رُمْتَ من أمْرٍ عَسِرْ

فكُنِ اسْمَ فعلٍ لا يُؤثِّر عامِلٌ ... فيه وإلاَّ فالضَّمِيرَ المُسْتترْ

وقوله:

يا لائِمي في حُبِّ مَنْ ... عَزَّتْ عليَّ رُبُوعُهُ

<<  <  ج: ص:  >  >>