للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وله أشعارٌ أنسق من لؤلؤ المزن في فم الأقاح، وأعبق من عبير ورد الخدود والتفاح.

فدونك منها ما يسحب به الأدب ذيولا، وتأمن زهرات رونقه تغيراً وذبولا.

فمنه قوله:

صَبٌّ جَفاهُ هجُوعُه ... والآن زاد وُلُوعُهُ

كتمَ الهوَى عن قَوْمِهِ ... فوَشَتْ عليه دُموعُهُ

قالوا الحبيبُ مُمََّنعٌ ... أحْلَى الهوى مَمْنُوعُهُ

لو ذاق رَضْوَى بعضَ ما ... يَلْقَى لَذابَ جميعُهُ

فهو القتيلُ بحُبِّه ... مُلْقَى الغرامِ صَرِيعُهُ

شيخُ الهوى بل كَهْلُه ... بل طِفْلُه ورَضِيعُهُ

وقوله:

وحَقِّ حُمْرةِ خَدٍ ... تُثِير بالقلبِ حُمْرَهْ

تُطْفي لخَمْرةِ ثَغْرٍ ... بيْضاء في الكأسِ خُمرَهْ

تجْلل لخَمْرةِ فضلٍ ... تُزِيلُ بالشُّرْبِ خَمْرَهْ

ومن ألغازه:

غَزالةٌ في بُرْدِها رافِلَهْ ... تقْتنِصُ الأُسْدَ مِن القافلَهْ

في حَرَمِ الأمْنِ وقد خِلتُها ... قائمةً بالفَرْضِ وبالنَّافِلَهْ

قلتُ لها: رِقِّي، فقالت لِمَنْ ... كأنها عن مَطْلَبِي غافِلَهْ

ثم انْثَنتْ تُلْغِز لي باسْمِها ... لُغْزاً به أفكارُنا كافِلَهْ

ما اسمٌ خُماسِيٌّ وتصْحِيفُه ... شِبْهُ بُدورٍ لم تكنْ آفِلَهْ

في سُنَّةِ المُختارِ خيرِ الورى ... بَيانُه وهْي له شامِلَهْ

في سِنَةٍ نَبَّهَ مُسْتيقِظاً ... وإن تَشَا في سَنَةٍ كامِلَهْ

ومن نثره جواب لغزٍ في حوراء: أجدت أيها الجهبذ الهمام، وحليت بجواهر زواهر الدرر أجياد الكرام.

واستجليت على منصة فكرتك حوراء الجنان، واستخليت بها في المقاصير الحسان.

فافتر ثغر حنكها للقياك، وروت لك رواية بشرٍ عن الضحاك.

فصابح الله صباحة وجهك بوجهها الحسن، ولا زالت تخدمك المعالي بأنضر فنن.

وله في أشهب، كتبه إلى ابن عمه الوارثي، وكان مالكياً: ما علمٌ مفرد مركب، وضع لحيوانٍ يركب؟ إن رفعت رأس زمامه، دل على اسم جمعٍ ناريٍ في التزامه.

وإن أتيت برأسه إلى أقدامه، فاستعذ بالله من سهامه.

مع أنه على حقيقة الانفراد، إمامٌ تزيد فيه اعتقاد.

وتقتدي بأمره ونهيه وعدله، وقد أقر العلماء بفضله.

خصوصاً أهل مذهبكم الشريف، ولا يحتاج إلى تعريف.

وله جواب لغزٍ أرسله إليه الوارثي: بقيت أيها العلامة المصون بلفظ الخالق، تكتحل بإثمد مدادك المكنون عيون الحقائق.

وتسعى لديك جواريها جارية ولو جازت قصبات السبق، مطيعةً لأمرك في حالها وماضيها ومضارعها لاستقبال الحق.

ينتظم منثورها لديك انتظام العقود، ويتشعب أريضها تشعب المغايرة في منهلها المورود.

لأنك الفرد الذي زاد الله شرفه، ورقى في مراقي الكمال شرفه.

وكتب إليه: ما قولكم في حرامٍ ورد بالنص، وهو حلالٌ لكل شخص.

ومن أعجب العجاب، أن تفتخ به أولو الألباب.

نزلت في شأنه آياتٌ بينات، وأقيم بوجه الحرمة فيه دلائل واضحات.

ولا حد على من قال بحله، مع أن حده ثابتٌ بصحيح نقله.

شهدت بتحريمه علماء الملل، واعترفوا بالحل ولا زلل.

إن حذفت آخره تراه من الأوتاد، ويطلبه الزهاد والعباد.

فأجابه بقوله:

دُمْتَ مولايَ بالمَعارِفِ تُولِي ... صَحْبَك الفضلَ في بديعِ الكلامِ

وعجيبٌ في النَّصِّ شيءٌ حَرامٌ ... وهو حِلٌّ وواجِبٌ في الحَرَامِ

وهو في الْحَدِّ قائمٌ حيث يَحْمِي ... كلَّ مَن جاءَه لِحْفظِ الذِّمامِ

هو بالنَّصِّ جائزٌ وحَرامٌ ... بل وحَاوٍ لسائِرِ الأحْكامِ

وهو أيْضاً حقيقةٌ ومَجازٌ ... وطريقٌ لَنْيلْ كلِّ مَرامِ

فيه أيضاً ثَوابُ سَاعٍ إليهِ ... بل وفيه وَسِيلةُ الإسْلامِ

هَبْكَ بالقلْبِ تُخْلِصُ الوُدَّ فيه ... هو نزْرٌ فيما له من مُقامِ

أخوه: الأستاذ محمد صاحب الحال والقال، ومن أعجز بوصفه فصحاء المقال.

<<  <  ج: ص:  >  >>