عرائس أبار معانيه متحلية بشذور الذهب الخالص، المفضل بالدر النفيس الذي هو بعض ما فيه من الخصائص.
فما عقود الجمان لعروس الأفراح إلا كالمثل السائر، وما مصاح الإصباح على زهر الربيع إلا دون أسرار بلاغته في الضياء لكل ناظر.
فكل مطولٍ أو أطول في بيان فضائله مختصر، ودلائل شمائله لائحةٌ لكل منشٍ أراد الإطناب في مدحه البديع فاقتصر.
فما كل فصيحٍ وإن نطق بلسان العرب، وارتقى بمحاسن الصفات وتهذيب الأسماء واللغات أعلى مراتب الأدب، إلا قطرةٌ من عبابها الذي ليس له نهاية، وشذرةٌ من عقد صحاحها الجوهري اللامع سناؤه لأبصار ذوي الفضل والدراية.
ومجمل القول فيه أنه عين أرباب الفضائل، وتاج مصادر العرفان وصدر الأفاضل.
لا زال صاحب الحماسة والسماحة، وقوله المغرب في نقد الشعر المطرب مرجعاً لأهل البلاغة والفصاحة.
أما بعد؛ فإن الله تعالى عز وجل لما علم ما وهبكم من الكمالات السنية، واختار لكم من المقامات الزكية، خالط أرواح العلماء بمحبتكم، وجعل قوام أمزجتها مزيد مودتكم، حتى لقد كادت أشباحهم تسابق النسور إلى أعتاب عزتكم.
خدمةً ومحبةً، وتوجهات قلوبهم لم تزل ملازمةً لأبواب سعادتكم شغفاً ورغبة.
وعند المحب بما يعلم الله تعالى من الشوق، ما هو فوق الطوق.
ما هبت شمالٌ وصبا، إلا مال إليها وصبا.
على أن ملاك هذا الأمر كله سر التوالف بالعوارف المؤكدة، المشار إليها بقوله صلى الله عليه وسلم: " الأرواح جنودٌ مجندة ".
ولده زين العابدين هذا الأستاذ في العباد، كمصر حرسها الله تعالى في البلاد.
فكما هي محتويةٌ على العالم الأكثر، فهو وله الفضل منطوٍ على العالم الأكبر.
وإذا حققت فما هي إلا عبارةٌ عن ناديه، وما أصابع نيلها إلا من فضل أياديه.
محامده تخلدها أقلام الأقدار، بمداد الليل في قرطاس النهار.
وترسمها حداة القطار، في مسالك الأقطار، وبتذهيب الأسفار.
وزمانه هدية الفلك، ولطفه ينبىء عن خلق الملك.
وناديه فائدة كل فؤاد، وجاره أمنع من جار أبي دؤاد.
ألسنة الثناء بفضله منطلقة، وأيدي الرجاء بحبله معتلقة.
وأياديه لا تزال تنشىء غض الأمل المقتبل، وأياديه عاليةٌ على الأيدي فلم يعلها من شيء إلا القبل.
فما قبلت له الأفواه كفاً، إلا لرؤيتها بحراً تطلب منه رشفا.
سقى اللهُ بَحْراً منه بالنَّيْل لم يزَلْ ... يَفِيضُ لِرَاجِيةِ نَدىً ورَغائِبَا
وحَيَّي زماناً فيه غُرَّةُ وَجْهِه ... تَحيَّةَ صَوْبِ المُزْنِ يَرْوِي السَّحائبَا
وكان قبل أن يشرف الشام بحلول قدمه، ويحييها بيمن طالعه الذي أضحت سعود الفلك من جملة خدمه.
لم تزل أخباره حظ القلوب والمسامع، وآثاره حلية الأفواه ورونق المجامع.
فتشتاق النفوس إليه شوقه لإسداء الجميل، وتشتهي لقاه شهوته سبق عطائه التأميل.
إلى أن عزم على زيارة القدس الشريف، وحلها فكسا بقاعها حلة الابتهاج والتشريف.
ثم عن له النهوض إلى دمشق لرؤية معاهدها، والتملي حيناً بمشاهدة مشاهدها.
فجرت بهذا العزم ذيل الفرح، وتسربلت برداء الجذل والمرح.
وودت أن يركب النجم السيار، ويمتطي الفلك الدوار.
لتقرب حركته، وتعود عليها وعلى أهلها بركته.
فابتدرت الفصحاء من أهاليها، تخطبه بفرائد الآثار من لآليها.
وكنت ممن تطفل باستدعائه، وفكره مصروفٌ إلى ثنائه ودعائه.
فكتبت إليه، أسبغ الله نعمه عليه:
أوْرَتْ يدُ البَرْقِ في الرُّبَى زَنْدَا ... فَمِجْمَرُ النَّوْرِ ضوَّع النَّدَّا
ونام مِن نَبْتِها رَضِيعُ نَدَى ... تهُزُّ أيْدِي الصَّبا له مَهْدَا
والطَّلُ في زَهْرةٍ يُضاحِكُها ... لآلِىءُ ضِمْنَ مُدْهَنٍ يَنْدَى
وجدولُ الماءِ في مُفاضَتِهِ ... قد سَردتْ دِرْعَه الصَّبا سَرْدَا
وما أرتْنا الجِنانُ حُلَّتَها ... حتى أرتْنا في جِيدِها عِقْدَا
فحبَّذا طَلْعةُ الربيع وقد ... ألْبَست الأرضَ وَشْيَها بُرْدَا
وحبَّذا الشامُ أرضَ مُؤْتلَفٍ ... تُنْبِتُ حُبَّ القلوب والوُدَّا