للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إن أهْدَتِ الوردَ زَاهياً خَدّاً ... أطْلَعتِ البَانَ مائِساً قَدَّا

من كلِّ قَيْدِ العيونِ مُمْتلِىءٍ ... لُطْفاً عن النَّدِّ حُسْنُه نَدَّا

ترْتَع منه الأحْداقُ في نُزَهٍ ... لا يبلُغُ الوصفُ ضَبْطَهَا عَدَّا

فانْتهِزِ العيشَ يا نديمُ فقد ... وفَتْ لك الشامُ بالمُنَى وَعْدَا

انْظُر ترى الوقتَ صافياً وعَلَى ... تَتِمَّةِ الحَظِّ آخِذاً عَهْدَا

ففي التَّباشِير أن يُزِّينَها ... زَيْنُ العبادِ الذي حَوَى المَجْدَا

أجَلُّ مَن ينطِق اللسانُ به ... شُكْراً وأوْلَى كلِّ الورى حَمْدَا

قد اسْترَقَّ النُّهَى بأنْعُمِهِ ... فكلُّ حُرٍ أضْحَى له عَبْدَا

ما حَلَّ إلاَّ حَلَّ النَّدَى معَه ... وأثمر الدهرُ للمُنَى سَعْدَا

مُذْ قِيل يَنْوِي للشَّامِ مُرْتَحَلاً ... كادتْ إليهِ تسْعَى بنا وَجْدَا

وهَيَّأتْ في الثَّرَى لِمَوْطِئِه الْ ... أعْيُنُ فَرْشاً ومَرَّغَتْ خَدَّا

فكُلُّنا رامِقُ البَشِيرِ لكيْ ... نَبْذُل أرْواحَنا له نَقْدَا

النور وهو منير، والماء وهو نمير.

والروض وهو ناضر، والسحاب وهو ماطر.

والمراد وهو مريع، والزمان وهو ربيع.

أمثالٌ أوردت وأشباه، والمقصود أنت بلا ريبٍ واشتباه.

أنتَ المُرادُ ولا مُرادَ سِواكَا ... فجميعُ ما نَهْوَى يكون فِداكَا

فأما النور فنور وجهك المضيء، وأما الماء فماء رونقك الوضيء.

وأما الروض فروض شئيمك وأخلاقك، وأما السحاب فسحاب إنعامك وإغداقك.

وأما المراد فمراد جبرك الذي تنعطف إليه القلوب، وأما الزمان فزمان خيرك الذي يتم به المطلوب.

وإذا كنت والمُنَى فيك ... فما حاجةُ الورَى لْلأمانِي

وقد بلغنا خبر الحركة، المقرونة باليمن والبركة، فمرْحباً بالأماني والأمان، وسَقْياً ورَعْياً لهذا الزمان.

وذلك بمجرد بشارة، ومحض عبارةٍ في إشارة.

وأما خبر الوصول والحصول، فموجب الذهول للعقول، فلا ندري عنده ما نقول.

وبالجملة فحسبنا منك لحظة، ودعنا نوجم فلا نلفظ بلفظة.

فالله تعالى لا يحرمنا منها، ويصرف جميع العوائق والموانع عنها.

فلعمري إنها النعمة التي لا نقوم بشكرها، وما زلنا من حين الترعرع في طيب ذكرها.

والدعاء.

ثم ورد دمشق فدخلها في يومٍ أخذ زينته بزينه، ولم يبق ذو جسمٍ إلا والبشرى ملءُ قلبه والمهابة ملء عينه.

فأشرقت بنوره أرجاؤها، وامتد به أملها ورجاؤها.

وهرعت إليه أبناؤها من وجوه ناسها، يردون حضرةً احتوت من المحاسن على أنواعها وأجناسها.

فيتفاءلون بتلك الطلعة التي تقرأ منها نسخة الحسن، وتلمع في أساريرها أشعة النجاح واليمن.

فيبشرهم بابتسامه، قبل أن يبشرهم بكلامه.

ويحييهم بالنجح بإشارته، قبل أن يترجم لهم بعبارته.

فيشاهدون حظاً أقبل في معرض الكمال، وطالع سعدٍ قد طلع عليهم بنيل الآمال.

وكنت أنا ممن سارع إليه، أسرع من الكرم لطرفيه.

فاستخلصني لولائه اللازم واللازب، وربطني بإحسانه المتراكم المتراكب.

فما توانت لي في قصده مدة الإقامة قدم، ولم يعطل لي مذ شاهدته في ثنائه قلم.

وهو، حجب الله تعالى العيون عن كماله، وجعل اتفاق اليمن مقروناً بيمينه وانتظام الشمل معقوداً بشماله.

سَقانا به اللهُ وَبْل الْحَيا ... فإنَّا إذا ما دَعَيْنَا سُقِينَا

ثم انصرف والأهواء معه، والثناء يملأ سمعه.

والأبصار على مرآه تزدحم، والأفواه على تقبيل يديه تقتحم.

فالله يعضده بتوفيقه، ويجعل السعد حزبه ورفيقه.

وقد وصلتني منه نسخة كتابٍ إثر وصوله، تقضيني الوفود عليه، والمثول لديه، وها هي:

هل تناسَى عَهْدَ المَودَّةِ أهْلُهُ ... أو حَلِيفُ الجَوَى تَجافاه خِلُّهْ

والهوَى الكامِنُ الذي مَلَك اللُّبَّ ... وما حالَ عن فؤادِي مَحَلهْ

أتُراه يَرْعى اللهُ طِيبَ عَهْدِ لَيالٍ ... بحَبيبٍ يُجلُّنا ونُجِلهْ

<<  <  ج: ص:  >  >>