للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إن جُمِّعُوا وغَدَوْا نَصِيبي مَرَّةً ... من فيه ذاك شِفاءُ قلبي مِن عِلَلْ

فيه توليدٌ لطيف، وهذا النوع مما تظرف فيه الأدباء، ومنه قول بعضهم:

كأنَّ مُقلتَه صادٌ وحاجبَه ... نونٌ وموضِعَ تَقْبِيلي له مِيمُ

فصِرْتُ أعْشَقُ من عِشْقي له صَنمَاً ... وعاشِقُ الصَّنَم الإنْسِيِّ مَرْحُومُ

قال الزكي بن أبي الإصبع، في تحرير التحبير: إن أغرب ما سمعت في التوليد:

كأنَّ عِذَارَهُ في الخَدِّ لاَمٌ ... ومَبْسِمَه الشَّهِيَّ العَذْبَ صادُ

وطُرَّةَ شَعْرِه ليلٌ بَهِيمٌ ... فلا عَجَبٌ إذا سُرِق الرُّقادُ

فإنه ولد من تشبيه العذار باللام، وتشبيه الفم بالصاد، لفظة لص، وولد من معناها تشبيه الطرة بالليل وذكل سرقة النوم، فحصل توليدٌ وإغرابٌ وإدماج.

وأستحسن أنا فيه قول بعضهم:

تاللهِ ما لِمُعذِّبي في حُسْنِه ... شَبَهٌ فأيُّ حَشاً عليه لم يَهِمْ

لاَمُ العِذارِ وميمُ مَبْسمِه على ... ما أدَّعِي من حُسْنِه بُرْهانُ لَمْ

ولابن جابرٍ الأندلس، معتذراً عمن لم يسلم:

لا تَعْتِبَنَّ على تَرْكِ السَّلامِ فقد ... جاءَتْك أحْرُفُه كَتْباً بلا قَلَمِ

فالسِّيُن مِن طُرَّتِي والَّلامُ مَعْ ألِفٍ ... مِن عارِضِيَّ وهذا المِيمُ مِيمُ فَمِي

وللوارثي:

أقْبَلَ المَحبوبُ يوماً ... خاَطِراً نَحْوَ الْمُعَنَّى

مُفْرداً في الحُسْنِ فاعْجَبْ ... منه فَرْداً يتَثنَّى

غصبه من قول ابن نباتة:

فريدٌ وهْوَ فَتَّانُ التَّثَنِّي ... فيالَلَّهِ من فَرْدٍ تَثَنَّى

ومثله لابن العفيف:

هو لا شَكَّ واحدُ النَّاسِ في الحُسْ ... نِ وإن كان قَدُّهُ يتَثَنَّى

وله:

بأبِي أفْدِي غَزالاً ... مُكْثِراً للهَجْرِ والْبَيْنِ

عَارِضَاه صَيَّرانِي ... هِمْتُ من وَجْدِي بلا مَيْنِ

من قول البدر الدماميني:

لاَمَا عِذارَيْكَ هما أوْقَعَا ... قَلْبَ المُحِبِّ الصَّبِّ في الْحَيْنِ

فَجُدْ له بالوَصْلِ واسْمَحْ له ... ففِيكَ قد هامَ بِلاَ مَيْنِ

أبو الإسعاد يوسف الوفائي أحد السادات بني وفا، الذين اربى قدرهم على أهل الدنيا وأوفى.

تميزوا في الأولياء تميز الملوك في الأجناد، وجردوا عزمهم فكان فرنده النقي وغمده تبسيم الأجياد.

سقى عهودهم بالماء الطاهر، وتحلوا بحليتي الباطن والظاهر.

فإذا اقتسم الفضل وشرف الخصال، فللناس منهما الأسماء ولهم الأفعال.

وإن ذكر المدح والثنا، فكلهم يعرفون في الوصف الجميل بالكنى.

فليت شعري بأي وصفٍ أصفهم، ولو جمعت جيوش البلاغة لم أكن أنصفهم:

ولولا أنَّ في الأشْياءِ ما لاَ ... يُنالُ بكَدِّ نَفْسٍ واجْتهادِ

كتبتُ ثَناءَهم بسَوادِ عَيْني ... مَخَافَةَ أن يُدَنَّسَ بالمِدادِ

وأبو الإسعاد هذا رونق منتسبهم العالي، وبهجة منتداهم الذي أطلع ثمر المعالي.

جمال عصره، ويوسف مصره.

عطف سماحه مياس، ونيل كفه جارٍ بغير مقياس.

فهو في الروض إذا ذوى ناضر العود، ولدى الحوض وإن خوى أسعد السعود.

ولعين الرجاء نزهةٌ في روض مساعيه الخصيبة الرحاب، ولآثاره عليه ثناءٌ كثناء الرياض على غر السحاب.

فتتشوق النفوس إلى تلك الشيم، تشوق الجدب إلى فيض الديم.

والجود حسن السادة الكرام، كالحسن يدعو الناس إلى الغرام.

فلله ما وهبه العز من تجمله به وتحليه، وتبرجه بآرائه وتجليه.

بوجهٍ لا يحاسنه شيءٌ في الإشراق، ومعالٍ من ادعاها لزمته جناية السراق.

فهو يثير بشيم اللطف، وينيل بالديم الوطف.

ويهتز للأدب عطف بانه، ويضطرب لمجتديه كأنما نادمه ابن بانة.

وله من رائق النظام، ما هو كالثريا في الانتظام.

فمنه قوله:

لَحِيِّ أهلِ الْوَفَاءِ سِرْ بِي ... فإن فيه غَزَالَ سِرْبِ

مِلْ بي إلى نَحْوِهم وعُجْ بِي ... سَلِمْتَ مِن فِتْنةٍ وعُجْبِ

<<  <  ج: ص:  >  >>