للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

طَرَقَتْنِي نَفْحة مِن سِرِّهم ... فكَسَا ضَوْءُ سَناهَا أصْغَرَيّ

صَيَّرتْني مُنْشِئاً مُرْتَجِلاً ... كلُّ ما أطلُبه في قَبْضَتَيّ

أسْعَدَ اللهُ بهم فِكرِي فلا ... يعْترِيِني قِصَرٌ في سَاعِدَيّ

وَاجِبٌ عنديَ أنْ أسْعَى علَى ... بَصَرِي حَقّاً لهم لا قَدَمَيّ

يا لِسانِي أدِمِ المَدْحَ لهم ... دائمَ الدهرِ ويا فكرِي تَهَيّ

أنا واللهِ مُحِبٌّ لكمُ ... صَدِّقُوني ليس بعدَ اللهِ شَيّ

مُخْتَفٍ حُبُّكمُ في مُهْجتِي ... عن جميعِ الخَلْقِ إلاَّ مَلَكَيّ

لا يخفى أنه أراد المعارضة لابن الفارض، ولكنه بحكم عارض المحبة بقي تحت ذيل العارض، وبيت الفارضي:

كان لولا أدْمُعِي أسْتغْفِرُ اللَّ ... هَ يَخْفَى حُبُّكم عَن مَلَكَيّ

مُذ مَنَحْتُم بِوَفاً دون جَفاً ... فلذا أنْسَيْتُمونِي أبَوَيّ

وسَقانِي كَفُّكم كأسَ نَدىً ... مِن رَحِيقٍ بَرْدُه وَسْطَ حَشَيّ

دام مِنِّي المَدْحُ يأْتِيكُم علَى ... سائق الأظْعانِ يَطْوِي الْبِيدَ طَيّ

عبد الرحيم الشعراني خلاصة جيله، الواجب أمر تعظيمه وتبجيله.

وآل بيته الأخيار، رونق السير وطلاوة الأخبار.

لهم نفوسٌ بالأسرار الروحانية عارفات، إذا كان لغيرهم منها عارفةٌ فلهم منهم عارفات.

فما زالوا يطلعون من أخلافهم، ما يبقى به ذكر أسلافهم.

وهذا الحبر العالم، زين الله به منهم المعاهد والمعالم.

فنال حفلا به السعد اكتمل، وابتسم بمرآه ثغر المنى وامتد خطو الأمل.

وهاجر إلى الروم لأمرٍ دعاه، فحمد عند أهل المشاهدة مسعاه.

فأقام بها راتعاً من الجلالة في نضرها ولدنها، إلى ان انتقل من ظهرها إلى بطنها.

يملأ الصدور انشراحا، ويعم الأرجاء أفراحا.

ولا يألو وليه شكر منه الجسيم، كما شكر عارفة الروض لسان النسيم بوقارٍ كما تشتهيه العيون، ونصحٍ كما تقتضيه الظنون.

يلهب الوجد الذي خمد، ويذيب الدمع الذي جمد.

ووعظٍ يقيم الحرج، على الشيخ أبي الفرج.

وله أشعارٌ مشتملة على حكم ووعظ، يتمتع بها القلب قبل اللفظ.

فمنها قوله في عقد كلاٍم ينقل عن كسرى، كاتب به قيصر جواباً عن مكاتبة:

كَاتَبَ في السَّبِق كسرى قَيْصَرُ ... بما اسْتقامَ مُلْككُم والظَّفَرُ

فقال قد دامَ لنا الْولاءُ ... بخَمْسةٍ طاب بها الْهَناءُ

إن اسْتَشَرْنا فَذَوِي العُقولِ ... وإن نُوَلِّي فذَوِي الأُصولِ

وليس في وَعْدٍ ولا وَعِيدِ ... نُخالِفُ القولَ على التَّأْبِيدِ

وإن نُعاقِبْ فعلى قَدْرِ السَّبَبْ ... مِن الذُّنوبِ لا على قَدْرِ الغَضَبْ

ولا نُقَدِّمُ الشبابَ مُطْلَقَا ... على الشيوخِ في وَلاءٍ أُطْلِقَا

وله في التوسل:

يا سيِّدَ الرُّسْلِ ومَن جُودُهُ ... لكلِّ خَلْقِ اللهِ مُسْترسِلُ

أنتَ الذي خَصَّك رَبِّي بما ... لم يُحْصِه المِزْبَرُ والمِقْوَلُ

وإنِّني عبدُك مَنْ جُرْمُهُ ... لفِكْرِ ذي اللُّبِّ غَدَا يُذْهِلُ

قد جئتُ أبْغِي توبةً يَنْمَحِي ... عنِّي بها الوِزْرُ الذي يُثْقِلُ

والسَّتْرَ في دِيني وأهْلِي ومَن ... يَحْوِيه بَيْتي أو بهِ يَنْزِلُ

فأنتَ بابُ اللهِ أيُّ امْرِىءٍ ... أتاه مِن غيرِك لا يَدْخُلُ

هذا البيت مضمن من قصيدة الشمس البكري، التي أولها:

ما أرْسَلَ الرحمنُ أو يُرْسِلُ ... مِن رحمةٍ تصْعَدُ أو تَنْزِلُ

في مَلَكوتِ اللهِ أو مُلْكِهِ ... مِن كلِّ ما يخْتَصُّ أو يَشْمَلُ

إلاَّ وطه المُصطَفى عبدُه ... نَبِيُّهُ مُخْتارهُ المُرْسَلُ

وَاسِطةٌ فيها وأصْلٌ لها ... يعْلَم هذا كلُّ مَن يعقِلُ

ولده: أبو السعود

<<  <  ج: ص:  >  >>