للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قال: عاب الآمدي هذا، فقال: وإذا زاره بالفكر وقد زار فلا معنى للاستدراك، وحاصل ما اعتذر به أن الاستدراك صحيح؛ لأنه إذا قال: زار الخيال له لا بل أزار، احتمل زيادة الاختيار من غير بعث باعثٍ، واحتمل وقوع الزيارة عن حمل حامل، فأزال هذا الإبهام بقوله: لا بل أزاركه فكر.

وقوله: لم ينم لم يرد حقيقة النوم، بل كما يقال: فلان لم ينم عن هذا الأمر.

وقال: إذا نام فكر الخلق، يعني آخر الليل، ولم يقل: أوله؛ لأنه إنما أنه يسهره، وإنما يقوم في آخره تهويماً بتطرقه.

وقيل: وجه احترازه أن الخيال لا يطرق في العادة إلا مع وجود النوم، وهذا إنما يكون في آخر الليل، مع استمرار النوم وطول زمانه.

وقال أبو الطيب:

لا الحُلْمُ جاد به ولا بمِثالِه ... لولا ادِّكارُ وَداعِه وزِيالِهِ

إنَّ المُعِيدَ لنا الْمَنامُ خَيالَه ... كانتْ إعادتهُ خَيالَ خَيالِهِ

يقول: المتمثل والمتخيل له في اليقظة إعادة خياله في المنام، كأن الخيال الذي في النوم خيال الخيال الذي تصور في اليقظة.

وأظهر من هذا قول أبي تمام المتقدم، وإنما أخذه من قول جران العود:

حَيَّيْتُ طَيْفَك مِن زَوْرٍ ألَمَّ بِهِ ... حَدِيثُ نَفْسِك عنه وهْو مَشْغُولُ

فقوله: وهو مشغول، أي لم يزرك على الحقيقة، فبنى من قوله: ما زارك طيف الخيال وقوله: حديث نفسك قوله: ولكنك الفكر أزاركه.

وقال الكميت:

ولمَّا انْتهيْتُ وَجَدْتُ الْخَيالَ ... أمَانِيَّ نَفْسي وأفْكارَهَا

عبد البر الفيومي جواب أقاليم، ومبدي صور تعاليم.

زاحم العلماء بالركب، وانتضى إليهم كل مركب.

ينتجع الأفكار، ويعتمد التذكار.

ويباحث ويثابر، ويتأبطه اليراع والمحابر.

ويحتفل بتحصيل الذخائر ويعتني، وسعيه البر لا يفتر عن مطلبٍ ولا يني.

فبذل الطريف والتلاد، وتقلب في أعطاف البلاد.

حتى استقر بالروم فاخضرت أكنافه، وتجملت أنواع بره وأصنافه.

فبللغ من الفضل موارده، وجمع أوابده وشوارده.

والتقط نفائس دره، وارتضع حلائب دره.

وبها كانت رحلته إلى دار البقا، وصحيفة عمره بادية الجلاء والنقا.

وهو روضةٌ بالفضل أنيقة، كتب الدهر له بتمليك الأدب وثيقة.

وله من حسن البداهة والبيان، ما يسحب على سحبان ذيل النسيان.

وقد أوردت من شعره ما تستغني به عن مجاجة الريق، وتستكفي به عن صرف الرحيق، الذي شغل الزجاجة والإبريق.

فمنه قوله:

حبيبٌ له جسمي وقلبيَ رَاغِبٌ ... ولي منه هَجْرٌ وهْو للوَصْلِ رَاهِبُ

له مِن غرامي في فؤادِيَ أعْيُنٌ ... ولي مِن جَفاه والتَّباعُدِ حاجِبُ

نَزِيلُ الْحَشَا لم يَرْعَ مَثْوىً به نَشَا ... وكيف انْتِشَا والوَجْدُ للصَّبِّ ناصِبُ

وِلمْ طَبْعُه لم يكسب الْخَفضَ بُرْهَةً ... مِن الْجَفْنِ والوَلْهانُ للكسرِ كاسِبُ

له في عُيوني مِن رَقيبيَ حارسٌ ... ومن خاطِري خِلٌّ وَفِيٌّ وصاحبُ

قوله: له من غرامي أحسن منه قول الخفاجي:

تنازَع فيه الشوقَ قلبي وناظرِي ... فأثَّر فيه الطَّرْفُ والقلبُ ناصِبُ

وتنْظُره من قلبيَ الصَّبِّ أعْيُنٌ ... عليها لِمَحْنِيِّ الضُّلوعِ حَواجِبُ

ومن تشبيهاته قوله:

رأيتُ يوماً عَجَباً ... فيا لَهُ مِن عَجَبِ

النُّورَ مُبْيَضّاً على ... مُحْمرِّ لَوْنِ القُضُبِ

كخَيْمةٍ مِن فِضَّةٍ ... على عَمُودٍ ذَهَبِ

ومنه قوله أيضاً:

انْظُرْ إلى الزَّهرِ النَّضِيرِ العَسْجَدِ ... يدعُو إلى لَهْوٍ كوَجْهِ الأغْيَدِ

فالوردُ في الرَّوضاتِ مُحْمَرٌّ على ... أغْصانِه الخُضْرِ الحِسانِ المُيَّدِ

مُلاءَةٌ مِن ذَهَبٍ مَنْشورَةٌ ... من تحتِها قَوائِمُ الزَّبَرْجَدِ

ومن غزلياته قوله:

قام يَرْنُو بطَرْفِهِ حَوَرُ ... منه كلُّ الأنامِ قد سُحِرُوا

قام مِن نَوْمِه على كسلٍ ... جَفْنُه بالنُّعاسِ مُنْكَسِرُ

<<  <  ج: ص:  >  >>