للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

كسَّر الجسمَ والفؤادَ فهل ... لِلْقتيلِ المُهانِ مُنْتصِرُ

أطْلَع مِن جَيْبِه لِعاشقِه ... هَالَة البَدْرِ ثَوْبُه العَطِرُ

سلَب العقْلَ مِن فَتىً دَنِفٍ ... مالَه مُذْ رآهُ مُصْطَبَرُ

حائرٌ مُغرَمٌ به قَلِقٌ ... لم يطِبْ بعدَه له سَمَرُ

خَصْرُه طَبْعُه فإن بَلَى الثَّوْ ... ب عليه فضِمْنُه قَمَرُ

أصل هذا قول الأمير أبي المطاع بن ناصر الدولة:

تَرَى الثِّيابَ مِن الْكَتَّانِ يَلْمَحُها ... نُورٌ من البَدْرِ أحْياناً فيُبْلِيَها

فكيف تُنْكِر أن تَبْلَى مَعاجِرُهُ ... والبدرُ في كلِّ وقتٍ طالعٌ فيهَا

وقد أخذه من قول ابن طباطبا:

لا تَعْجَبُوا من بِلَى غِلالتِهِ ... قد زَرَّ أزْرَارَه على الْقَمَرِ

وأخذه الرضي الموسوي، فقال من قصيدة:

كيف لا تَبْلَى غِلالَتُهُ ... وهْو بَدْرٌ وهْي كَتَّانُ

وللقمر خاصيةٌ في قرض الكتان؛ ولذلك قال من ذكر عيوب القمر: يهدم العمر، ويحل الدين، ويوجب أجرة المنزل، ويسخن الماء، ويفسد اللحم، ويشجب اللون، ويقرض الكتان، ويضل الساري، لأنه يخفي الكواكب، ويعين السارق، ويفضح العاشق الطارق.

ومما يحسن له قوله:

ألْقَى ذُؤابتَه فكانتْ حَيَّةً ... تسْعَى إلى إضْعافِ رِدْفٍ خَارِجِي

وحَمَى مِن اللَّثْمَ الخُدَيْدَ بعَقْرَبٍ ... مَلْوِيَّةٍ من فوق جَمْرةِ مَارِجِ

أخذ الأول من قول العسيلي:

دَبَّتْ له ذُؤابةٌ ... كحَيَّةٍ مِن خَلْفِهِ

تَحْمِي ضَعِيفَ خَصْرِهِ ... مِن خَارِجِيّ رِدْفِه

واستعمله الفيومي في أبياتٍ أخر، ومحل الشاهد منها:

ويحْمِي خَارِجِيَّ الرِّدْفِ منه ... بحَيَّاتٍ له ذاتِ اعْوِجاجِ

قلت: والنسبة في خارجيٍ للمبالغة كدؤادي.

قال ابن جنى، في سر الصناعة: وسموا كل ما فاق حسنه، وفاوق نظائره خارجياً، قال طفيل:

وعارضْتُها رَهْواً على مُتتابِعٍ ... شدِيدِ القُصَيْرَى خَارِجِيٍ مُحَنَّبِ

انتهى.

وبهذا يتم حسن قول ابن النبيه:

خُذُوا حِذْرَكم مِن خَارِجيِّ عِذَارِهِ ... فقد جاء زَحْفاً في كثيبته الخَصْرَا

وله، وفيه التزام لطيف:

مِن عَالَمِ الذَّرِّ لي إلْفٌ ومعرفة ... به فهل جائزٌ في الحُبِّ يُنْكِرنِي

أبيتُ أذْكُره جُنْحَ الظَّلام فهلْ ... في ساعةٍ من لَيالِي الدهر يذْكُرنِي

صَبْراً فأيُّ فَتىً أرْضَى بحُكْم رَشاً ... يَذُمُّنِي في الهوى يوماً ويشْكرنِي

كما رَضيتُ بوَصْلٍ منه لي وقِلىً ... والحُبُّ والوَجْدُُ يُصْحِينِي ويُسْكِرنِي

وله:

تَبَدَّى مَلِيكُ الْحُسْنِ في مَجْلِس البَسْطِبِقَدٍ كغُصْنِ الْبانِ أو ألِفِ الْخَطِّ

وأبْدَى على شَرْطِ المَحبَّةِ حُجَّةً ... مُسلَّمةً أحكامُها قَطُّ ما تُخْطِي

ومِن شَرْطِه في الخَدِّ قُبْلةُ عاشقٍ ... فكان مِدادُ الْحُسنِ في ذلك الشَّرْطِ

اختلسه من قول ابن حجة، في قصيدة قالها في مدح حماة:

وقد جاء شَرْطُ الْبَيْنِ أنِّي أَغِيبُ عن ... حِمَاهَأ فقد أدْمَى فُؤادِيَ بالشَّرْطِ

وله:

بدرٌ من التُّرْكِ في ثوبٍ من الشَّفَقِ ... قد حَلَّ من رَوضةِ الأزْهارِ في أُفقِ

عجِبتُ من أبيضٍ في أسودٍ حَلكٍ ... ولا عجيبَ فحُسْنُ البدرِ في الغَسَقِ

يدُورُ بالرَّاح كالتِّبْرِ المُذابةِ في ... كأسٍ كدُرٍ نَضِيرٍ أبيضٍ يَقَقِ

فبات يشْفِي ويسْقِي من مُدامتِه ... إلى الصباحِ فأحْيَتْ مَيِّتَ الرَّمَقِ

وقد بَدَا سيفُ فَجْرِ الصبحِ مُرْتقياً ... أفْعَى الدَّياجِي ففَرَّتْ عنه من فَرَقِ

وله:

نَكْهَةٌ قد شَمَمْت من ذاتِ حُسْنٍ ... تلك مَكِّيَّةٌ وذِي تُرْكيَّهْ

<<  <  ج: ص:  >  >>