وَجْنةٌ عُطِّرتْ بنُقْطةِ خَالٍ ... تلك وَرْدِيَّةٌ وذي مِسْكيَّهْ
شاكَلتْ مُقْلتاهُ قَامةَ خَدٍ ... تلك قَتَّالَةٌ وذِي فَتْكِيَّهْ
مثل قول ابن شمس الدين البصير، نزيل الخانقاه السرياقوسية:
قلتُ لمَّا أدارَ مِسْكاً وخَمْراً ... ذُو دَلالٍ وأعْيُنٍ سَحَّارَهْ
لكَ واللهِ نَكْهَةٌ ورُضابٌ ... تلك عَطَّارَةٌ وذِي خَمَّارَهْ
ورأى في بروسة الحمام الخلقي، الذي يقال له: قبلجه، وهو ماء حارٌ يخرج من تحت جبلٍ عالٍ، فقال:
وماءٍ له طَبْعُ الحرارةِ خِلْقَةً ... مِن الجبلِ الصَّلْدِ العظيمِ لقد سَلَكْ
إلى كلِّ حَوضٍ مُسْتديرٍ مُوَسَّعٍ ... تراه مَدارَ الماءِ مَلْعبةَ السَّمَكْ
تدُور به الوِلْدانُ طالعةً وقد ... تغِيبُ كشأنِ النَّيِّراتِ من الفَلَكْ
وقال، وهو معنىً حسن:
وحَوْضٍ كبير مستديرٍ وماءُه ... حَرارتُه بالطَّبْعِ للبردِ دافِعَهْ
أحاطتْ به الأقمارُ مِن كلِّ جانبٍ ... ومِن أُفْقِه شمسُ المَحَاسنِ طالِعَهْ
ومن لطائفه قوله:
ولي حبيبٌ قد سالَماهُ ... عذبا وطَرْفَاهُ سَالماهُ
فيا خليلي عُذْراً لصَبٍ ... جُوداً وإلاَّ فَسالِماهُ
فالطَّرْفُ هَامٍ من التَّجافِي ... طُولَ الليالي قد سالَ مَاهُ
وسَاكِنُ القلبِ مُذْ رَآهُ ... يَهِيمُ بالوَجْدِ سالَ مَا هُو
الأول: ساء، بالهمزة مقصورٌ للشعر، ولماه: ريقه، فاعله، وإساءته: منعه لوارده.
والثاني: ماضٍ، والألف للتثنية.
والثالث: أمرٌ لاثنين.
والرابع: من الإسالة، والماء قصر للضرورة.
والخامس: من السؤال، سهلت الهمزة ضرورةً وما سؤالٌ على سبيل تجاهل العارف.
وقد عارض بهذه الأبيات أبيات أحمد السنفي، المعروف بقعود وزاد عليه التصريع.
وأبيات السنفي:
يا صاحِبَيَّ اتْرُكَا مُعَنىً ... أو فاعْذُلاهُ وعارِضَاهُ
فما تُطِيقانِ رُشْدَ غَاوٍ ... بما يُلاقِي وَعَى رِضَاهُ
سَبَى حشَاهُ والعقلَ منه ... عَيْنَا غَزالٍ وعَارِضَاهُ
يا جَمْعَ مَن صَيَّرَ التَّصابِي ... في الحُسْنِ عَاراً بالعارِ ضَاهُوا
ومن مقاطيعه قوله:
لقد كرَّم الرحمن وَجْهَ مُعَذِّبي ... بِعَشَّاقةِ حُسْنٍ وهْي زِينَةُ خَدِّهِ
فتجْذِبُ حَبَّات القلوبِ لِحُبِّه ... بحَبَّةِ مِسْكٍ أذْفَرٍ عند صَدِّهِ
وله:
لمَّا بَدَا حولَ وَرْدِ الخَدِّ آسُ رُباً ... نَبَاتُه في رياضِ الحُسْنِ قد طَلَعَا
لم يَرْضَ تَقْبِيلَه يوماً ولا عَجَبٌ ... فما خَراجٌ على غيرِ الذي زَرَعَا
وقوله:
فِكْرِي وعقلي عندكم وبكُمْ ... قد صِرْتُ في شُغْلٍ وفي سُكْرِ
فاعْجَبْ لمَن كتبتْ أنَامِلُه ... خَطّاً بلا عَقْلٍ ولا فِكْرِ
وقوله في معناه:
قد قِيلَ إنَّ المالَ عقلُ الفتى ... به له التَّصْرِيفُ في النَّقْلِ
فقلتُ لا تعجَبْ فكم في الورَى ... مِن عاقلٍ أضْحَى بلا عَقْلِ
وقوله:
ومُذْ رامَ الهلالُ وقد تَعَدَّى ... مُشابَهةً له من غيرِ قَابِلْ
أجابَ قَلَمْتُ مِن ظُفْرِي شَبِيهاً ... له وطَرَحْتُه فوقَ الْمَزابِلْ
تناوله من قول التقي الفارسكوري:
وما في البدرِ مَعْنىً منه إلاَّ ... قُلامة ظُفْرِه مِثْل الْهِلالِ
والتقي أخذه من قول ابن المعتز:
ولاح ضَوْءُ هِلالٍ كاد يفضحُنا ... مثل القُلاَمةِ قد قُدَّتْ من الظُّفُرِ
وابن المعتز أخذه من قول بعض العرب:
كأنَّ ابنَ لَيْلتِها جانحاً ... فَسِيطٌ لَدَى الأُفْقِ مِن خِنْصَرِ
وابن الليلة الهلال، والفسيط، بفتح الفاء وكسر السين المهملة: قلامة الظفر.
ويروى: كأن ابن مزنتها، ومعناه حين انقشعت عنه السحابة بدا كقلامة الظفر.