للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وهنا فائدة، ذكرها ابن الأثير، في المثل السائر، قال: واعلم أن من التشبيه ضرباً يسمى الطرد والعكس، وهو: أن يجعل المشبه به مشبها، والمشبه مشبهاً به، وبعضهم يسميه غلبة الفروع على الأصول، ولا تجد شيئاً من ذلك إلا والغرض به المبالغة، فمما جاء من ذلك قول عبد الله بن المعتز وأنشد البيت ألا ترى إليه كيف جعل الأصل فرعاً، والفرع أصلاً، وذلك أن العادة أن تشبه القلامة بالهلال، وإنما فعل ذلك مبالغة وإيذاناً بأنه لما صار ذلك مشهوراً متعارفاً حسن عكس القضية فيه.

قلت: فبيت التقي والفيومي جاريان على الأصل، والثانيان على العكس.

وله:

جاء المَليحُ بأسودٍ في أبيضٍ ... مِن قَهْوةٍ تَرْوِي عن المِسْكِ الذَّكِي

فنظَرْتُها ونظرتُ حُسْنَ عُيونِهِ ... والفَرْقُ فيه احْتار ذو عقل ذَكِي

كأنه نظر إلى قول الجمال العصامي:

فِنْجانُ قَهْوةِ ذا المَلِيحِ وعَيْنُه الْ ... كَحْلاءُ حَارَتْ فيهما الألْبَابُ

فسَوادُها كسوَادِها وبيَاضُها ... كبَياضِها ودُخانُها الأهْدابُ

وله في الدولاب:

إنما الدُّولابُ في دَوْرِهِ ... يَهُمُّ من شَوْقٍ وأشْجَانِ

ينُوحُ حُزْناً ويُرَى باكِياً ... بأعْيُنٍ تَهْمِي على الْبَانِ

قريبٌ من قول ابن عبد السلام المصري:

ورَوْضة دُولابُها دائرٌ ... مُوَلَّهٌ مِن فَرْطِ أشْجانِهْ

فكلُّه مِن وَجْدِه أعْيُنٌ ... تبْكِي على فُرْقةِ أغْصانِهْ

وهذا المعنى كثير، وقد تقدم ما يغني عن ذكره.

وله في دولاب العيد:

دولابُ عِيدٍ دار بالمُنْحنَى ... لِطَلْعةٍ قامتُها ناضِرَهْ

يَرْوِي لنا عن فَلَك نَاضِرٍ ... والشمسُ ما زالتْ به دَائِرهْ

وله:

شَبَّابَةٌ قامتْ بمَوْصُولِها ... وعَيْنُها جَارِيةٌ بَاكِيَهْ

تُشِيرُ بالعَيْنِ إلى ذِي جَوىً ... بأنَّها مِن وَجْدِها شَاكِيَهْ

مثله لابن الأزهري:

يا حُسْنَها شَبَّابة لم ينْقطِعْ ... مَوْصولُها عِندي وذاك تَرَنمُ

بالرَّمْزِ تُفْهِمني إشاراتِ الورَى ... أوَمَا تَرَاهَأ بالعُيونِ تَكلَّمُ

شبابة، بالتشديد: قصبة الزمر المعروفة، مولدة.

قال المشد:

ومُطْرِبٍ قد رأيْنا في أَنامِلِهِ ... شَبَّابةً لِسُرورِ النفسِ أهَّلَهَا

كأنه عاشقٌ وَافَتْ حبيبتُه ... فضَمَّها بيَدَيْه ثم قَبَّلَهَا

ولشافع:

شَغَفَتْنَا شَبَّابةٌ بِهَواهَا ... كلّ ما يُنْسَبُ الكئيبُ إلَيْهَا

كيف والمُحْسِنُ المُقوِّلُ فيها ... آخِذٌ أمْرَها بكِلْتا يَدَيْهَا

والمقول: الزامر، والعجم تقول له: قوال.

وهل:

ليلُ هَجْرٍ مَكانه سَنَةٌ ... أو مَسِيرٌ ناءَتْ مَراحِلُهُ

صُبْحُه كالمَدِينِ مَاطَلَهُ ... رَبُّ دَيْنٍ غَدَا يُماطِلُهُ

أحسن منه قول ابن الجزري:

وليلٍ كأنَّ الصُّبْح فيه مَآرِبٌ ... نُؤَمِّلُ أن تُقْضَى وخِلٌّ نُصادِقُهْ

وله في بعض المحتجبين:

أتَيْتُ بابَ كبيرٍ عند نَائِبةٍ ... وجَدْتُه مُغْلَقاً قلتُ الفَتَى فَطِنُ

فقال لي صاحبي ما الرَّأْيُ قلتُ له ... رَأْيُ ابنِ عُبْدُوسَ رَأْيٌ كامِلٌ حَسَنُ

رأي ابن عبدوس قوله

لنا قاضٍ له خُلُقُ ... أقَلُّ صِفاتِه الْفَرَقُ

إذا جِئْناه يحْجُبنا ... فنَلْعنُه ونفْتَرِقُ

وقد اقتدت الأدباء بهذا الرأي كثيراً، فمنهم ابن الخصال في قوله:

جئْناك للْحاجةِ المَمْطولِ صاحبُها ... وأنت تَنْعَمُ والإخوانُ في بُوسِ

وقد وقفْنا طَوِيلاً عند بَابِكُمُ ... ثم انْصَرَفْنا على رَأْيِ ابنِ عُبْدُوسِ

ولمحمد بن بدر الدين القوصوني مثله من فصل: الرأي الصواب، في المتواري بالحجاب، رأي ابن عبدوس، وما سواه رأيٌ منحوس، بل عذابٌ وبوس.

وله في الخضوع:

<<  <  ج: ص:  >  >>