للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فأشْتُم حَظِّي في فِراقِه وأَقْذِفُه، وألْوُمُ دهرِيَ الخَؤونَ وأُعنِّفُه.

وقد كان في حُكْمِ ما أوْلانِيه من فضلِه المعروف، وإحْسانِه الذي اسْتوعَب صُنوفَ الصُّنوف، أن يكون في كُلِّ وقتٍ عنده كتاب، ولكنْ على الأيام وعَوادِيها العِتاب.

فلولا ما عَرض، من مُقابلةِ الجوهرِ بالعَرَض، لمَا أَغْفلتُ خِدْمة مولاي مِن رسائلَ أسْتجْلِبُ بها شَرَفا طارِفا، كما اسْتفَدْتُ في الفَوْزِ بخدْمتِه الجليلة مَفْخراً سالِفا.

ولا اسْتحقَّيْتُ سُخْطَه الذي حَرُّه يُذِيب، ودونَه التَّعْذيب، بل النارُ والجحيم، والعذاب الأليم.

وأسألُ الله تعالى أن يَمُنَّ عليَّ برِضاه، حتى يكون سَببَا لإحْرازِ دُعاه.

وفيه الكَوْثَرُ والتَّسْنِيم، والنَّعِيم، المُقِيم.

وليس هو إلاَّ الجَنَّة، لكلِّ نفسٍ به مُطْمئنَّة.

وقلت في غرض اقْتضاه الحال: جَرى القلم، بما فيه أَلَمٌ أَلَمّ.

وذلك أن بَلَوُت شخصاً من الكُتَّاب، باقْتضاءٍ مِن قَضَاءِ مُنزِّلِ الكِتاب.

فخالطتْهُ عن قلب سليم، وفَارقتُه لا عن رضاءٍ وتسْليم.

لمَّا رأيتهُ يزْعُم أن العِشْرة مُحاسبة لا مُناسَبة، ومُوارَبة لا مُقارَبة، ومُلاكمةٌ لا مُكارمة، ومُحامَلةٌ لا مُجامَلة.

فالعطيَّة معه خَطِيَّة، والمنيَّة هَنيَّة.

والعنايةُ جِناية، والسلامةُ مَلامة.

يُباعِد فما يُقارِب، ويُعانِد فما يُراقِب.

تَبَلَّدّ طّبْعُهُ، وتكدَّر نَبْعُهُ.

فخاطرُه ينْبُو، وقلمُه يكْبُو.

فيسْهُو ويُبْطِي، ويسقُط وهو يُخْطي.

بِخَطّ مُنْحَطّ، كأرْجُلِ البَطّ على الشَّطّ.

وأنامِلِ السَّرَطان، إذا مشَى على الحِيطان.

وله قلم، ظُفْرُه لا يُقلَّم.

ويَراع، به الفكر يُراع.

يَخْدِش به القِرْطاس، وينْقُش الأنْقاس، ويأخُذ بالأنْفاس.

وحِزْبُه جماعة، أخَذتْهم حُمَيَّا مَجاعة.

ما فيهم إلا خَبيثُ نَفْس، من قَبِيل البُسْتانُ كلُّه كَرَفْس.

فوُجودُه بينهم فَذْلَكَة، للنَّواِئب الُمْهِلكة.

فيا أبْطأَ من غُراب نُوح، وأخطأ من غَيْمةٍ على بُوح.

ما أغْراك بما يَغُرَّك وأضْراك بما يضُّرُّك.

أتظُنُّ أن ستترَك سُدى، أم لا تُحاسَب غَدَا.

كلاَّ إنَّ حسابَك هَيِّن، وعقابَك مُتَعيِّن.

وقلتُ، من تهنِئةٍ بنُصولٍ من مرض: بلغني شِكايتُك فارْتَعْت، ثم عرفتُ ارْتياحَك فارْتَحت.

فالحمدُ لله الذي جَعَلَ عافيَتَك عاقِبَتَك فيما تشكِّيْت، وسلامتَك التي ألْبَسَتْك من الأجرِ لأَْمَتَك عِوَضاً عما عاينْت وعانَيْتَ.

فشُفِيَتْ منذُ شُفِيتَ الأجسام، وأقبلَتْ نُصْرةُ الشِّفَاء ففَرَّ الهمُّ وتَبِعَتْه الآلام، ولم يَبْقَ بحمد الِله مَريضٌ إلاَّ الجُفونُ السِّقام.

ومن نَظْمِي قولي من مقصورتي الَّنبوية ومُستهلُّها:

دَعِ الهوى فآفةُ العقلِ الهوَى ... ومَن أطاعَه من المجد هَوَى

وفي الغرامِ لَذَّةٌ لو سَلِمْت ... من الهَوانِ والمَلامِ والنَّوَى

وأفضلُ النُّفوسِ نفْسٌ رغِبتْ ... عن عَرَضِ الدنيا وفتنةِ الظِّبَا

والعشقُ جهلٌ والغرامُ فتنةٌ ... ومَيِّتُ الأحياءِ مُغْرَمُ الدُّمَى

قالوا لنا الغرامُ حِلْيَةُ الحِجَى ... قُلنا لهم بل حليةُ العِقل التُّقَى

وهل رأيتُم في الورَى أذَلَّ من ... مُعذَّبٍ تلْهو به أيْدِي الهَوى

أو أحَداً أغْبَنَ من مُتَيَّمٍ ... تقُودُه شَهوتُه إلى الرَّدَى

ولِلْغوانِي فتنةٌ أشدُّ مِن ... قَتْلِ النفوسِ والفَتَى مَن ارْعَوَى

وما على ساجِي الجُفونِ راقدٍ ... من دَنِفٍ يَبِيتُ فاقدَ الْكَرَى

ومَن أعَدَّ للشِّتَا كافاتِه ... فلا تُرِيعُه بُرودَةُ الْهَوا

مَظِنَّةُ الجهلِ الصِّبا وإنما ... مَفْسدةُ المرءِ الشَّبابُ والغِنَى

والنفسُ ما علِمْتَها فإن تجدْ ... ذا عِفَّةٍ فزُهْدُه من الرِّيَا

والناسُ إمَّا ناسِكٌ بجَهْلِه ... أو عالمٌ مُفَرِّطٌ أو لاَ ولاَ

<<  <  ج: ص:  >  >>