للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

تحرَّشَ طرفي بألحاظها ... وكان من العشقِ في معزلِ

فآبتْ بمُهجتهِ للحمى ... أسيرَ ظبا طرفها الأكحلِ

وقدَّت شراكَ دُجى شَعرها ... فصادتْ لطائرِ دمعي ولي

وله من أخرى، أولها:

من سامعٌ لشكايةِ المظلومِ ... من يومِ أصمتهُ ظباءُ الرُّومِ

هذا بلفتته وذا بعيونه ... يرنو وذاك بخَصره المهضومِ

من حين صرَمني بصارم لحظهِ ... ورعى فؤادي مثل ظبي صريمِ

أُنسيتُ أهوائي وعفتُ لذائذي ... وبه غرامي كان صاحِ غريمي

منها:

لولا حلاواتُ الوعودِ وصدقُها ... ما سرَّ موسى موعدُ التَّكليمِ

والشُّهبُ لا يأتي الكمالُ لبدرِها ... إلا بُعيدَ النقصِ للتَّتميمِ

والسُّمرُ لا تُخطى إذا ما ثقِّفتْ ... بيديْ خبيرٍ بالصِّعادِ عليمِ

والمرءُ لا عارٌ عليه إذا تحا ... ربتْ الجدودُ وخُطَّةُ التَّعظيمِ

محمد الجوخي نبيه نبيل، ما إلى استيفاء صفاته سبيل.

له الحيا المنهل، والمحيَّا المستهلّ.

والبشرة النَّيِّرة، والأفعال الخيِّرة.

وهو مع انتعاشه، وسلامة أسباب معاشه.

بعيد الهمِّ في توفير الهمَّة، مستعملٌ للأهمِّ في الأمور المهمَّة.

مدُّه بلا جزر، وفضله غير نزر.

لم يؤت جمعه من قلَّة، إلا أن شعره دون قُلَّة.

فمنه قوله، وكتب به في صدر رسالة لبعض أحبابه:

وما شوقُ ظمآنِ الفؤادِ رمتْ به ... صروفُ اللَّيالي في ملمَّعةٍ قفرِ

شكى من لظى نارين ضُمَّتْ عليهما ... أضالِعُه نارَ الهجيرِ مع الهجرِ

يُروِّي غليلَ الأرضِ من فيضِ دمعه ... وليس له جهدٌ إلى غللِ الصَّدرِ

إلى عارضٍ من مزنةٍ عطفتْ به ... نسيمُ صبا الأحباب من حيثُ لا يدري

بأبرحَ من شوقي لرؤيتك التي ... أعدُّ لَعمري أنها لذَّةُ العُمرِ

ولده أبو اللُّطف ماجد تكوَّن عنصره من معدن اللُّطف، وغازلت عيون أشعاره الجفون الوطف.

رَبا مَقضِيَّ الأرب، معانق الحظوة والطرب.

تزهو به أربعٌ وأدواح، وتنثر على مراده أنفسٌ وأرواح.

إلا أنه احتضر وهو صغير السن فتِيُّه، واهتُصر وهو رطب الغصن طريُّه.

وله شعرٌ من ماء الشباب مرتوي، إلا أنه كبا كورةِ الثِّمار، منها فجٌّ، ومنها مستوي.

فمنه قوله:

بعيشكمُ أهلَ الصَّبابة والصِّبا ... أقلْباً رأيتمْ مثل قلبي مُعذَّبا

فلم أرَ لي في محنةِ الحبِّ مُنجداً ... ولم أستطعْ من فيضِ دمعي تحجُّبا

وقد صرتُ من حرِّ الفراقِ بحيثُ لو ... يشاهدُ حالي كلُّ واشٍ تعجَّبا

فيا ليت من أهواهُ في الليلِ زائري ... فمثلي معنًّى صار في حبِّه هبا

سألتُ الذي قد قدَّر البُعدَ بيننا ... سيجمعنا يوماً يكونُ له نبا

وقوله:

قلبٌ تقلَّبَ في قليبِ محبَّةٍ ... حتى القرارِ ولم يقرَّ وجيبهُ

متردِّدٌ بين المنيَّةِ والمنى ... متودد خلاَّ حلا تعذيبهُ

لم يبرَ من حُبٍّ برى أعضاءهُ ... إذ عَمَّ غَمَّ هو الصَّبا وصبيبهُ

حاكى معينُ العينِ عيناً إذ جرى ... وعقيبَ ذا وادي العقيق يُجيبهُ

بل رامَ أن لو ريمُ رامةَ زارهُ ... ضيفاً يزورُ الطَّيفَ يطْفَ لهيبهُ

وأصابَ لمَّا أن صبا الأوصابِ صُبَّ ... تْ فوقه ورمى أصابَ مصيبهُ

أنفاسهُ نبراسهُ في ليلهِ ... أو هلَّ هجرٌ ما علاه مشيبهُ

قد شابَ فوْداهُ وشبَّ فؤادهُ ... مذ طال حين شبا بهِ تشبيبهُ

من بعدِ بُعدٍ يصطلي في نارهِ ... لم يسلُ أصلاً لو سلاهُ حبيبهُ

وكتب إليه محمد الحادي الصَّيداوي، يطلب منه شدًّا:

يا أبا اللُّطفِ إنَّ لُطفكمْ ... ليس يُحصى بكثرةِ العدِّ

شُدَّ وسطي بما ترى كرماً ... ولا تُماطل فكثرةُ الشَّدِّ

<<  <  ج: ص:  >  >>