للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إذا ما تثنَّى فهو غصنٌ وإن بدا ... له تسجدُ الأقمارُ وهي كواملُ

أغنُّ غضيضَ الطَّرفِ يرنو فأنثَني ... وفي القلبِ من تلكَ اللِّحاظِ ذوابلُ

أقام بقلبي منه حبٌّ مبرِّحٌ ... وما القلبُ إلا للغرامِ منازلُ

وخضتُ بحارَ العشقِ حيرانَ تائهاً ... وما لبحارِ العشقِ ويلاه ساحلُ

وما كنتُ أدري يا ابنةَ القومِ ما الهوى ... وهل يعرفُ الإنسانُ مالا ينازلُ

رضيتُ بأن أقضي قتيلَ يدِ الهوى ... إذا كان يُرضي الحبَّ ما أنا فاعلُ

رعى الله أياماً تقضَّتْ بحاجرٍ ... إذ العيشُ غضٌّ والحبيبُ مواصلُ

زمانٌ به غصنُ الشَّبيبةِ يانعٌ ... يرفُّ وطرفُ الدهرِ وسْنانُ غافلُ

وحيَّى على رغمِ الوُشاةِ ليالِياً ... أطعتُ الهوى لمَّا عَصَاني العواذِلُ

ليالِيَ لا ريحانةُ العِشقِ صوَّحَتْ ... ولا رنَّقتْ عن واردِيه المناهِلُ

أيا برقُ سلْ عن زَفرَتِي ساكِنَ الغضَا ... ويا غيثُ سلْ عن مدمعِي وهو سائِلُ

ويا بانةَ الوادِي تشفَّعتُ بالصَّبا ... لديكِ هل الرَّكبُ اليمانيُّ قافِلُ

ويا ظبياتِ القاعِ لولاكِ لمْ أبتْ ... وفي القلبِ من هُجرِ الوُشاةِ شواغِلُ

ويا نسمةَ الأحبابِ هل فيكِ نفحةٌ ... يحيَّى بها صبٌّ شجتْهُ بلابِلُ

تُرى يسمحُ الدَّهرُ الخَؤونُ بأوبةٍ ... وأُمنِيَّتي منْهُ غرورٌ وباطِلُ

فمَا كانَ منهُ صادِقاً كان كاذِباً ... وما كانَ منهُ مخْصِباً فهوَ ماحِلُ

لحَى اللهُ دهْراً أثقَلَتْني صُروفُه ... يُذيبُ الرَّواسِي بعضُ ما أنا حامِلُ

فيا دهْرُ قدْ برَّحْتني وتركْتني ... تراميْنَ بي منكَ الضُّحى والأصائِلُ

وأشْمتَّ بالأعداءَ حتَّى تيقَّنوا ... بأنِّي لا عونٌ لديَّ يحاوِلُ

وهلْ أختَشِي دهْراً وبدرُ مآرِبي ... بدَا وهْو مذْ يمَّمتُ أحمدَ كامِلُ

وله:

قسماً بالعفافِ في الحبِّ عمَّا ... يُغضِبُ اللهَ من كِلا الطَّرفينِ

لمْ يُغيِّر ما بيننا البُعدُ إلا ... أنَّ طيبَ الرُّقادِ فارقَ عينِي

أحمد بن محمد، المعروف بابن المنقار هو من عرف بكرم الشيمة، من منذ تنصَّل من المشيمة.

فجاء كما شاءت الظنون، متحقِّقاً بجميع الفنون.

وأعاد رسماً من بيته دثر، ونظم شملاً كان قد انتثر.

وما استعار مجدا، ولا أضافَ إلى جدِّه جدَّا.

ثم دخل الروم، فحظِي من الأمانيِّ بما يروم.

متفيِّئاً من النشوة وارفها، وملتحفاً من الصَّبوة مطارفها.

فأذهلته لذة لدَدِه، عما كان بصدده.

وعبثتْ به السوداء من عيون ظباها، والضُّعفاء من الجفون التي سقيت بماء السِّحر ظُباها.

فآل أمره إلى جنون أضرَّ عقله، واقتضى إلى وطنه الأصليِّ نقله.

فحلَّه وجيدُه مطوَّق بطوق، وهو محمولٌ على أدهم لا يجهده سوقٌ ولا شوق.

وبقيَ على تلك الحالة، وقد غيَّر الدَّهر سمته وأحاله.

إلى أن فارق دنياه، وخلص من قيد الحياة.

وقرأت بخط البوريني، أنه زاره، وحيَّا بفم الوجد مزاره.

وهو في تلك السلسلة، وأحاديث حاله عنه مسلسلة.

وهو يظنُّ أن ماء رويَّته جمد، وشرر ذكائه بالكلِّية خمد.

فلما لمحه، لم يدع ملحه.

قال: فأومأ إلى حالته، وأودعني بيتي الوداعي، ثم خلاَّني أجيب سائل دمعي وأنا الدَّاعي.

والبيتان هما:

إذا رأيْتَ عارِضاً مُسلسَلاً ... في وجنةٍ كجنَّةٍ يا عاذِلي

فاعلمْ يقيناً أنَّنا من أمَّةٍ ... تُقادُ للجَنَّةِ بالسَّلاسِلِ

وهذه نبذة من شعره أيام إفاقته، وهو يتَّخِذ شهب السَّماء من رفاقته.

فمن ذلك قوله من قصيدة:

<<  <  ج: ص:  >  >>