للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أتَى ينْثَنِي كاللُّدنِ بلْ قدُّهُ أسْمى ... غزالٌ بفعلِ الجِفنِ يُلهِيكَ عنْ أسمَا

فريدُ جمالٍ جامعُ اللُّطفِ جُؤْذُرٌ ... أمينُ كمالٍ أهْيَفٌ أحْورٌ ألْمَى

إذا ما بدَا أو ماسَ تِيهاً وإن رنَا ... ترى البدرَ منهُ والمُثَقَفَ والسَّهمَا

له مقلةٌ سيَّافةٌ غِمدُها الحشا ... ونبَّالةٌ قلبي لأسهُمِها مَرمَى

تجسَّم من لطفٍ وظرْفٍ أما ترَى ... تَغيُّره لمَّا تخيَّلْتَه وَهْما

هذا من قول بعضهم:

نظرتُ إليهِ نظرةً فتحيَّرتْ ... بدائِعُ فكرِي في بَديعِ صِفاتِهِ

فأوْحى إليه الطَّرفُ أنِّي أُحِبُّهُ ... فأثَّرَ ذاك الوهمُ في وجناتِهِ

وأبلغ منه قول النَّظَّام:

توهَّمه طرفِي فآلَمَ خَدَّهُ ... فصارَ مكانَ الوهمِ من نَظرِي أثْرُ

ومرَّ بفكرِي خاطِراً فجرَحْتُهُ ... ولمْ أرَ خلقاً قطُّ يجرحُه الفِكْرُ

ولخالد الكاتب:

لوْ لحظَتْهُ العيونُ مُدمِنَةً ... لذابَ من رِقَّةٍ فلم يجدِ

وللمنقاري من قصيدة، مطلعها:

قلْبي بِنيرانِ المحَبَّةِ مُصطَلِمْ ... خوفَ الفِراقِ لمن به حالِي عُلِمْ

منها:

يا ويحَهُ من جَوْرِ ظَبْيٍ أهيَفٍ ... سُلطانِ حُسْنٍ منه صبٌّ ما سَلِمْ

قد حجَّبَتْهُ من الأسِنَّةِ مُقلةٌ ... غزلَتْ فحاكَتْ للورَى ثوبَ السَّقَمْ

جيدُ الغزالةِ منه إلاَّ أنَّها ... لمْ تحكِهِ نوراً إذا هو قد بَسَمْ

فيه استخدام، وقد يقع كثيراً في لفظ الغزالة بهذين المعنيين.

وانتقد بما قاله الصفدي في شرح لاميَّة العجم: إنه لم يسمع إلا بمعنى الشمس في أول النهار إلى الارتفاع، وأما في مؤنث الغزال فلا يقال غزال، بل ظبية.

وقد غلَّطوا الحريري في قوله: فلما ذرَّ قرنُ الغزالة طمر طُمور الغزالة.

وقالوا: لم تقل العرب الغزالة إلا للشمس، فإذا أرادوا تأنيث الغزال، قالوا: الظَّبية.

وقد ردَّ هذا الدماميني في حاشيته، وأورد له شواهد.

واعتمده الشِّهاب الخفاجي في شفاء الغليل، حيث قال: غزالة مؤنث الغزال، واسمٌ للشمس مطلقاً، أو في وقت شروقها.

قال التبريزي: سمِّيت بذلك لأنها تطلع في غزالة النهار، أي أوَّله.

وقال المعرِّي: سمِّيت بها، لأنها تمدُّ الشُّعاع ما هو كالغزْل، فهي مشدَّدة في الأصل، خُفِّفَتْ.

وقال فيه:

الرَّدْنُ والغَزْل للغوانِي ... خُلقانِ عُدَّا من الجزالَهْ

والشَّمسُ غَزَّالةٌ ولكنْ ... خُفِّفَتْ الزَّايُ في الغزالهْ

عبد اللطيف الجابي هذا الأديب تميَّز بنفسه، وتخيَّر من جنسه.

فزاحم الكواكب بالمناكب، وقد نسجت دهراً على اسمه العناكب.

وظهر كاسياً من مطمورة الخفا، وما كان خلاَّه في القبر إلا الحفا.

وعزم لا يتخلَّى ولا يستريح، ولا يسكن إلى راحةٍ بل يقلع كل ريح.

فاتحاً عينيه إلى كلِّ مطلب بأقدام هائمٍ مستبق، كأنه صورةٌ ممثَّلةٌ ناظرها الدَّهر غير منطبق.

فهو من القوم الذين أنفقوا عمرهم تملُّقاً وتجملاًّ، واصطلحوا على أن سمُّوا تجرُّع السَّمِّ تحمُّلاً.

وكان له في النَّظم أوفر نصيب، إلا أنه يخطئ تارةً وتارةً يصيب.

وقد رأيت أشعاره في سفينةٍ عامَ في بحرها وهام، وأودعها من خطِّ الملائكة ما لا يفهم إلا بمَلَك الإلهام.

فلم يقع اختياري إلا على أبياتٍ تأنَّقتُ في استخراجِها، وهاهي كما نُظِمت اللآلي في أدراجها:

ما كانَ يخطُرُ قطُّ في أوْهامي ... أنَّ الأُسُودَ مصائِدُ الآرامِ

مما ينبغي أن ينبَّه عليه ما ذكره المبَرِّد في كامله أن الآرام مهموزُ ما بعد الرَّاء واحدُها رِئم، مثل بئر وآبار، فإذا لم تهمز فهي الأعلام، واحدها أرم، وهي العلامات في الطَّريق.

قِفْ حيثُ فوَّقَتِ اللِّحاظُ سِهامَها ... وانظُر لِمرمِيٍّ هناكَ ورامِ

وسَلِ الأمانَ فكم خَلِيٍّ فارغٍ ... أمسى قتيلَ محبَّةٍ وغَرامِ

<<  <  ج: ص:  >  >>