للهِ ما بالقلبِ والأحشاءِ منْ ... حُزْنٍ وما بالجسمِ من أسْقامِ
ومدامِعٌ تَهْمي فيَحرِقُ لَذْعُها ... خدِّي ومن يقوَى لِلذْعِ هوامِ
وبمُهْجَتِي البدرُ الَّذي وجَنَاتُه ... وعِذارُه كالوردِ والنَّمامِ
القاتل الآلاف من عشَّاقِهِ ... عمْداً بلا حرج ولا آثامِ
إنْ لم يكنْ بمحدَّدٍ ومُثَقَّلٍ ... فبِسحرِ ألفاظٍ وسِحرِ كلامِ
باللَّحظِ منه غَنِيتُ عن زَهرٍ وعن ... خمرٍ فمِنه نرْجِسي ومُدامي
في خَدِّهِ لامٌ تجُرُّ إلى الهوى ... فالقلبُ مجرورٌ بتلكَ اللاَّمِ
ظَبْيٌ من الأتراكِ مُرعاهُ الحَشَا ... والمورِدُ العذبُ العزِيزُ الهَامي
عرَفَ المُرادَ من الدُّموعِ فلم يزلْ ... يَرنو لِعاشقِهِ بِطرْفٍ ظامِي
محمود المجتهد مجتهد المذهب الكلامِيّ، يقوِّم منه ما اختل، ويصحِّح من تراكيبه التي دخلها الجهل المركَّب ما اعتل.
بسانٍ ينقِّي الكُلف، إلا أنه كلِف بتلك الكُلف.
وهو في تقييده وضبطه، وحلِّه لتشبُّك الغرض وربطه.
في حدٍّ لا يأتي عليه تحديد، ولا يعبِّر عنه لسانٌ حديد.
وله حديثٌ يُزري عذوبةً بالرُّضاب، وتحلُّمٌ يستخفُّ راسية الهِضاب.
فلذا هو بطيبِ العشرة مذكور، وبألسنة الظُّرفاء محمودٌ ومشكور.
والرَّغبات إليه نازعة، وعلى معاشرته متنازعة.
تستدعي إيثاره وإدناه، وتملأُ بماء النَّعيم إناه.
وهو لا يؤثر الرَّجعة، إلا إذا اسْتَمرَعَ النُّجعة.
وإذا حضر ارتمى قبل الاقتداح شرارُه، وفرَى قبلَ الانتضاء غُرارُه.
ولا يقرع منادمه على فراقه سنَّ النَّدم، حتى يمتلئَ طرباً من الفرقِ إلى القدم.
وقد رأيت له أشعاراً، أكثرها في ذمِّ الزَّمان، وقد رماه في مطالبه بسهام الحرمان.
فمنه قوله:
ألِفَ الزَّمانُ مساءتِي وبِعادي ... ورمَى بسهمِ البَيْنِ عينَ فُؤادِي
فألِفتُ ما ألِفَ الزَّمانُ وما أرَى ... إلا تنغُّصَ عيشتِي وكَسادِي
والذُّلُّ في أبوابِ من لا يرْعوِي ... حال الفقير وسُؤْدد الأوْغادِ
وقوله معارضاً أبيات الحريري، في المقامة الثامنة والأربعين، وهي:
عِشْ بالخِداعِ فأنتَ في ... دهرٍ بَنوهُ كأُسدِ بيشَهْ
وأدِرْ قناةَ المَكرِ حتَّى ... تستَدِيرَ رحَى المعيشَهْ
وصِدِ النُّسورَ فإن تعذَّ ... رَ صيدُها فاقنع بريشَهْ
واجنِ الثِّمارَ فان تَفُتْ ... كَ فَرَضِّ نفسكَ بالحَشيشَهْ
وأرِحْ فُؤادكَ إنْ نبَا ... دهرٌ من الفِكَر المُطيشَهْ
فتَغايرُ الأحداثِ يُؤ ... ذِنُ باسْتِحالةِ كلِّ عِيشَهْ
وأبياته هي هذه:
قال الدِّمشقيُّ الذي ... كَرُّ النَّوائبِ حَصَّ ريشَهْ
كيفَ الخِداعُ ودهرُنا ... أبناهُ صادوا أُسْدَ بيشَهْ
وقناة مكري ى تدو ... رُ فتسْتديرَ رَحى المُعيشَهْ
والطَّيرُ في أفقِ السَّما ... ءِ فكيفَ أبلغُ منهُ ريشَهْ
ورِياضُ آمالِي جفَاها الْ ... خِصْبُ حتَّى لا حشِيشَهْ
ومَعيشتِي ضَنْكاءُ في ... بلَدِي استحالَتْ كلُّ عِيشَهْ
وله:
ومن البليَّة أن ترَى ما لا يُرى ... وترومَ بذلَ المجدِ من غيرِ المَلِي
وتبيعَ مخزونَ العلومِ لجاهلٍ ... وتجودَ بالعلياءِ عند الأرذَلِ
وتزين من درِّ الخطابِ فرائِداً ... قد شِنتَها بِخطابِ من لمْ يعقِلِ
أُوَّاهُ من نكدِ الزَّمانِ وجَوْرِهِ ... وترفُّع الأنذالِ والمُتسَّفِلِ
ومن الرَّزيَّةِ لا ترَى من مُنْصِفٍ ... أوْ مُسْعِفٍ إلا وبالأهوَا مَلِي
وَالَهْفَ قلبي من زمانٍ شأنُهُ ... رَمْيُ الأفاضلِ بالعناءِ المُعْضَلِ
وتعزُّزِ الوغدِ اللَّئيمِ أخِي الأذَى ... وتذلُّلِ العزِّ الكريمِ المأمَلِ