وَعَلِيهِ جُبَّة يماني سعيدي مثقلة ومطرف قد التحف بِهِ فعجبت من زيه
فحين حصلت مَعَه فِي الْقبَّة نالني من الْبرد أَمر عَظِيم فَضَحِك وَأمر لي بجبة ومطرف وَقَالَ يَا غُلَام اكشف جَوَانِب الْقبَّة فَكشفت فَإِذا أَبْوَاب مَفْتُوحَة من جَوَانِب الإيوان إِلَى مَوَاضِع مكبوسة بالثلج وغلمان يروحون ذَلِك الثَّلج فَيخرج مِنْهُ الْبرد الَّذِي لَحِقَنِي
ثمَّ دَعَا بطعامه فَأتي بمائدة فِي غَايَة الْحسن عَلَيْهَا كل شَيْء ظريف
ثمَّ أَتَى بفراريج مشوية فِي نِهَايَة الْحمرَة وَجَاء الطباخ فنفضها كلهَا فانتفضت وَقَالَ هَذِه فراريج تعلف اللوز والبزر قطونا وتسقى مَاء الرُّمَّان وَلما كَانَ فِي صلب الشتَاء دخلت عَلَيْهِ يَوْمًا وَالْبرد شَدِيد وَعَلِيهِ جُبَّة محشوة وَكسَاء وَهُوَ جَالس فِي طارمة فِي الدَّار على بُسْتَان فِي غَايَة الْحسن وَعَلَيْهَا سمور قد ظَهرت بِهِ وفوقه جلال حَرِير مصبغ ولبود مغربية وانطاع أَدَم يَمَانِية
وَبَين يَدَيْهِ كانون فضَّة مَذْهَب مخرق وخادم يُوقد الْعود الْهِنْدِيّ وَعَلِيهِ غلالة قصب فِي نِهَايَة الرّفْعَة
فَلَمَّا حصلت مَعَه فِي الطارمة وجدت من الْحر أمرا عَظِيما فَضَحِك وَأمر لي بغلالة قصب وَتقدم يكْشف جَوَانِب الطارمة فَإِذا مَوَاضِع لَهَا شبابيك خشب بعد شبابيك حَدِيد وكوانين فِيهَا فَحم الغضا وغلمان ينفخون ذَلِك الفحم بالزقاق كَمَا تكون للحدادين
ثمَّ دَعَا بطعامه فأحضروا مَا جرت بِهِ الْعَادة فِي السرو والنظافة فأحضرت فراريج بيض شَدِيدَة الْبيَاض فبشعتها وَخفت أَن تكون غير نضيجة ووافى الطباخ فنفضها فانتفضت فَسَأَلته عَنْهَا فَقَالَ هَذِه تعلف الْجَوْز المقشر وتسقى اللَّبن الحليب
وَكَانَ يختيشوع بن جِبْرَائِيل يهدي البخور فِي درج وَمَعَهُ درج آخر فِيهِ فَحم يتَّخذ لَهُ من قضبان الأترج والصفصاف وشنس الْكَرم المرشوش عَلَيْهِ عِنْد إحراقه مَاء الْورْد الْمَخْلُوط بالمسك والكافور وَمَاء الْخلاف وَالشرَاب الْعَتِيق
وَيَقُول أَنا أكره أَن أهدي بخورا بِغَيْر فَحم فيفسده فَحم الْعَامَّة وَيُقَال هَذَا عمل بختيشوع
وَحدث أَبُو مُحَمَّد بدر بن أبي الْأصْبع عَن أَبِيه عَن أبي عبد الله مُحَمَّد بن الْجراح عَن أَبِيه أَن المتَوَكل قَالَ يَوْمًا لبختيشوع ادعني فَقَالَ السّمع وَالطَّاعَة فَقَالَ أُرِيد أَن يكون ذَلِك غَدا قَالَ نعم وكرامة وَكَانَ الْوَقْت صائفا وحره شَدِيدا فَقَالَ بختيشوع لأعوانه وَأَصْحَابه أمرنَا كُله مُسْتَقِيم إِلَّا الخيش فَإِنَّهُ لَيْسَ لنا مِنْهُ مَا يَكْفِي
فَاحْضُرْ وكلاءه وَأمرهمْ بابتياع كل مَا يُوجد من