للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:

الخيش بسر من رأى فَفَعَلُوا ذَلِك وأحضروا كل من وجدوه من النجادين والصناع فَقطع لداره كلهَا صونها وحجرها ومجالسها وبيوتها ومستراحاتها خيشا حَتَّى لَا يجتاز الْخَلِيفَة فِي مَوضِع غير مخيش

وَأَنه فكر فِي روائحه الَّتِي لَا تَزُول إِلَّا بعد اسْتِعْمَاله مُدَّة فَأمر بابتياع كل مَا يقدر عَلَيْهِ بسر من رأى من الْبِطِّيخ وأحضر أَكثر حشمه وغلمانه وأجلسهم يدلكون الخيش بذلك الْبِطِّيخ ليلتهم كلهَا وَأصْبح وَقد انْقَطَعت روائحه

فَتقدم إِلَى فراشيه فعلقوا جَمِيعه فِي الْمَوَاضِع الْمَذْكُورَة وَأمر طباخيه بِأَن يعملوا خَمْسَة آلَاف جونة فِي كل جونة بَاب خبز سميد دست رقاق وزن الْجَمِيع عشرُون رطلا وَحمل مشوي وجدي بَارِد وفائقة ودجاجتين مصدرتان وفرخان ومصوصان وَثَلَاثَة ألوان وجام حلواء

فَلَمَّا وافه المتَوَكل رأى كَثْرَة الخيش وجدته فَقَالَ أَي شَيْء ذهب برائحته فَأَعَادَ عَلَيْهِ حَدِيث الْبِطِّيخ فَعجب من ذَلِك وَأكل هُوَ وَبَنُو عَمه وَالْفَتْح بن خاقَان على مائدة وَاحِدَة

وأجلس الْأُمَرَاء والحجاب على سماطين عظيمين لم ير مثلهمَا لَا مِثَاله

وَفرقت الجون على الغلمان والخدم والنقباء والركابية والفراشين والملاحين وَغَيرهم من الْحَاشِيَة لكل وَاحِد جونة وَقَالَ قد أمنت ذمهم لأنني مَا كنت آمن لَو أطعموا على مَوَائِد أَن يرضى هَذَا ويغضب الآخر وَيَقُول وَاحِد شبعت وَيَقُول آخر لم أشْبع فَإِذا أعْطى كل إِنْسَان جونة من هَذِه الجون كفته واستشرف المتَوَكل على الطَّعَام فاستعظمه جدا وَأَرَادَ النّوم فَقَالَ لبختيشوع أُرِيد أَن تنومني فِي مَوضِع مضيء لَا ذُبَاب فِيهِ وَظن أَنه يتعنته بذلك وَقد كَانَ بختيشوع تقدم بِأَن تجْعَل أجاجين السيلان فِي سطوح الدَّار ليجتمع الذُّبَاب عَلَيْهِ فَلم يقرب أسافل الدّور ذُبَابَة وَاحِدَة

ثمَّ أَدخل المتَوَكل إِلَى مربع كَبِير سقفه كُله بكواء فِيهَا جامات يضيء الْبَيْت مِنْهَا وَهُوَ مخيش مظهر بعد الخيش بالدبقي الْمَصْبُوغ بِمَاء الْورْد والصندل والكافور

فَلَمَّا اضْطجع للنوم أقبل يشم رَوَائِح فِي نِهَايَة الطّيب لَا يدْرِي مَا هِيَ لِأَنَّهُ لم ير فِي الْبَيْت شَيْئا من الروائح والفاكهة والأنوار وَلَا خلف الخيش لَا طاقات وَلَا مَوضِع يَجْعَل فِيهِ شَيْء من ذَلِك

فتعجب وَأمر الْفَتْح بن خاقَان أَن يتتبع حَال تِلْكَ الروائح حَتَّى يعرف صورتهَا

فَخرج يطوف فَوجدَ حول الْبَيْت من خَارجه وَمن سَائِر نواحيه وجوانبه أبوابا صغَارًا لطافا كالطاقات محشوة بصنوف الرياحين

<<  <   >  >>