للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:

سنة وَخَمْسمِائة ثمَّ خدم بعده العاضد لدين الله وَهُوَ أَبُو مُحَمَّد عبد الله بن الْمولى بن أبي الْحجَّاج يُوسُف بن الإِمَام الْحَافِظ لدين الله وَلم يزل فِي خدمَة العاضد لدين الله إِلَى أَن انْتقل فِي التَّاسِع من الْمحرم سنة سبع وَسِتِّينَ وَخَمْسمِائة وَهُوَ آخر الْخُلَفَاء المصريين وخدمهم ونال فِي أيامهم من العطايا السّنيَّة والمنن الوافرة خمس خلفاء الْآمِر والحافظ والظافر والفائز والعاضد

ثمَّ لما استبد الْملك النَّاصِر صَلَاح الدّين يُوسُف بن أَيُّوب بِالْملكِ فِي الْقَاهِرَة وَاسْتولى على الدولة كَانَ يفتقد الشَّيْخ السديد بالأنعام الْكثير والهبات المتواترة والجامكية السّنيَّة مُدَّة مقَامه بِالْقَاهِرَةِ إِلَى أَن توجه إِلَى الشَّام

وَكَانَ يستطبه وَيعْمل على وَصِفَاته وَمَا يُشِير بِهِ أَكثر من بَقِيَّة الْأَطِبَّاء وَلم يزل الشَّيْخ السديد رَئِيسا على سَائِر المتطببين إِلَى حِين وَفَاته

وَكَانَ يسكن فِي الْقَاهِرَة عِنْد بَاب زويلة فِي دَار قد اعتني بهَا وبولغ فِي تحسينها وَجَرت عَلَيْهِ فِي أَوَاخِر عمره محنة

وَذَلِكَ أَن دَاره قد احترقت وَذهب لَهُ فِيهَا من الأثاث والآلات والأمتعة شَيْء كثير جدا وَلما تهدم بَعْضهَا من النَّار وَقعت براني كبار وخوابي ممتلئة من الذَّهَب الْمصْرِيّ وتكسرت وتناثر فِيمَا بعد الْحَرِيق وَالْهدم مِنْهَا الذَّهَب إِلَى كل نَاحيَة وَشَاهد النَّاس وَبَعضه قد انسبك من النَّار وَكَانَ مِقْدَار ذَلِك الوفا كَثِيرَة جدا

وحَدثني القَاضِي نَفِيس الدّين بن الزبير إِن الشَّيْخ السديد كَانَ قد رأى فِي مَنَامه قبل ذَلِك بِقَلِيل أَن دَاره الَّتِي هُوَ ساكنها قد احترقت فاشتغل سره بذلك وعزم على الِانْتِقَال مِنْهَا

ثمَّ أَنه شرع فِي بِنَاء دَار قريبَة مِنْهَا وحث الصناع فِي بنائها وَعند كمالها حَيْثُ لم يبْق مِنْهَا إِلَّا مجْلِس وَاحِد وينتقل إِلَيْهَا احترقت دَاره الَّتِي كَانَ ساكنها وَذَلِكَ فِي السَّادِس وَالْعِشْرين من جُمَادَى الْآخِرَة سنة تسع وَسبعين وَخَمْسمِائة وَالدَّار الَّتِي عمرها قَرِيبا مِنْهَا هِيَ الَّتِي صَارَت بعده للصاحب صفي الدّين بن شكر وَزِير الْملك الْعَادِل أبي بكر بن أَيُّوب وَهِي الَّتِي تعرف بِهِ الْآن

ونقلت من خطّ فَخر الْكتاب حسن بن عَليّ ابْن إِبْرَاهِيم الْجُوَيْنِيّ الْكَاتِب فِي الشَّيْخ السديد عِنْد حريق دَاره وَذَهَاب منفوساته يعزيه وَكَانَ صديقا لَهُ وَبَينهمَا أنس ومودة

(أيا من حق نعْمَته قديم ... على المرؤوس منا والرئيس)

(فكم عاف أعدت لَهُ العوافي ... وَكم عَنَّا نضوت لِبَاس بوس)

(وَيَا من نَفسه أَعلَى محلا ... من المنفوس يعْدم والنفيس)

<<  <   >  >>