الْمُعظم بِدِمَشْق نَدبه أَن يتَوَلَّى كِتَابَة الْجَيْش وأكد عَلَيْهِ فِي ذَلِك فَلم يَسعهُ إِلَّا امْتِثَال أمره وَقعد فِي الدِّيوَان وَحضر عِنْده الْجَمَاعَة والنواب وَشرع فِي الْكِتَابَة أَيَّامًا
ثمَّ رأى أَن أوقاته تمر بأسرها فِي الْكِتَابَة والحساب وَلم يبْق لَهُ وَقت لنَفسِهِ ولاشتغاله فِي الْعُلُوم الْعَقْلِيَّة وَغَيرهَا فَطلب من السُّلْطَان أَن يعفيه من ذَلِك وَتشفع إِلَيْهِ بِجَمَاعَة من خواصه حَتَّى أقاله
وَلما كَانَ فِي سنة إِحْدَى عشرَة وسِتمِائَة حج الْملك الْمُعظم وَحج عمي مَعَه
وَلم يزل فِي خدمته إِلَى أَن اتّفقت نوبَة عمنَا فِي نصف شعْبَان سنة أَربع عشرَة وسِتمِائَة وَتَقَدَّمت الفرنج وتخالف الطَّرِيق بَين السُّلْطَان الْكَبِير الْملك الْعَادِل وَولده الْمُعظم فَمضى عمي صُحْبَة الْملك الْعَادِل نَحْو دمشق وَمضى الْملك الْمُعظم نَحْو نابلس
ثمَّ خرج عمي من دمشق صُحْبَة الْملك النَّاصِر دَاوُد ابْن الْملك الْمُعظم وَلما وصلوا عجلون أَمر بِرُجُوع وَلَده فَرَجَعُوا
وَبعد ذَلِك مرض عمي مَرضا وَطَالَ إِلَى آخر السّنة الْمَذْكُورَة فَرَأى أَن الْحَرَكَة تضره وَهُوَ بالطبع يمِيل إِلَى الِانْفِرَاد والاشتغال بالكتب
واستدعاه الْملك الْعَادِل أَبُو بكر بن أَيُّوب لما سمع بتحصيله وَسيرَته وَذَلِكَ فِي الْخَامِس من الْمحرم سنة خمس عشرَة وسِتمِائَة وولاه طب البيمارستانين بِدِمَشْق اللَّذين وقفهما الْملك الْعَادِل نور الدّين مَحْمُود بن زنكي فَكَانَ يتَرَدَّد إِلَيْهِمَا وَإِلَى القلعة
وَقرر لَهُ جامكية وجراية وأطلقت لَهُ أَيْضا سِتّ الشَّام أُخْت الْملك الْعَادِل جامكية فِي الطِّبّ وَكَانَ يتَرَدَّد إِلَى دارها
وَلما أَقَامَ بِدِمَشْق وَجعل لَهُ مَجْلِسا عَاما لتدريس صناعَة الطِّبّ واشتغل عَلَيْهِ جمَاعَة وَكلهمْ تميزوا فِي الطِّبّ
وَكَانَ يجْتَمع فِي ذَلِك الْوَقْت مَعَ علم الدّين قَيْصر بن أبي الْقَاسِم بن عبد الْغَنِيّ وَهُوَ عَلامَة وقته فِي الْعُلُوم الرياضية فَقَرَأَ عَلَيْهِ علم الْهَيْئَة واتقنها فِي أسْرع وَقت
وَلَقَد كَانَ علم الدّين يَوْمًا عِنْده وَهُوَ يرِيه أشكالا فِي علم الْهَيْئَة وَقَالَ لَهُ وَأَنا أسمع وَالله يَا رشيد الدّين هَذَا الَّذِي قد عَلمته فِي نَحْو شهر دأب غَيْرك فِي خمس سِنِين حَتَّى يُعلمهُ
وَاجْتمعَ أَيْضا عمي فِي دمشق بالسيد الإِمَام الْعَالم شيخ الشُّيُوخ صدر الدّين بن حمويه وَألبسهُ خرقَة التصوف وَذَلِكَ فِي الْعشْرين من شهر رَمَضَان سنة خمس عشرَة وسِتمِائَة
وَهَذِه نُسْخَة مَا كتبه لَهُ مَعهَا
بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم
هَذَا مَا أنعم بِهِ الْمولى السَّيِّد الْأَجَل الإِمَام الْعَالم شيخ الشُّيُوخ صدر الدّين حجَّة الْإِسْلَام علم الْمُوَحِّدين أَبُو الْحسن مُحَمَّد ابْن الإِمَام السَّيِّد الْأَجَل الْعَالم شيخ الشُّيُوخ عماد الدّين أبي حَفْص عمر بن أبي الْحسن بن مُحَمَّد بن حمويه أدام الله تأييده من إلباس خرقَة التصوف على مريده عَليّ بن خَليفَة بن يُونُس الخزرجي الدِّمَشْقِي وَفقه الله على الطَّاعَات
ألبسهُ وَأخْبرهُ أَنه أَخذهَا عَن وَالِده الْمَذْكُور رَحمَه الله وَأَن وَالِده أَخذهَا عَن أَبِيه شيخ الْإِسْلَام معِين الدّين أبي عبد الله مُحَمَّد بن حمويه