للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقال عليه السلام في حرب الخندق لسعد بن عبادة وسعد بن معاذ، وهما سيدا الحيين، الخزرج والأوس: "إيتيا بني قريظة، فإن كانوا على العهد فأعلنا بذلك، وإن كانوا قد نقضوا ما بيننا فالحنا لي لحناً أعرفه. ولا تفتا في أعضاد المسلمين". فرجعا بغدر القوم فقالا: يا رسول الله عضل والقرة. قال: فقال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "أبشروا فإن الأمر ما تحبون"

قال الأخفش: سألت المبرد عن قولهما: عضل والقارة فقال: هذان حيان كانا في نهاية العداوة لرسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فأرادا في الانحراف عنه والغدر به كهاتين القبيلتين.

قال أبو العباس: فكان المهلب ربما صنع الحديث ليشد به من أمر المسلمين ويضعف من أمر الخوارج. فكان حي من الأزد يقال لهم الندب إذا رأوا المهلب رائحاً إليهم قالوا: قد راح المهلب ليكذب! وفيه يقول رجل منهم:

أنت الفتى كل الفتى ... لو كنت تصدق ما تقول

فبات المهلب في ألفين، فلما أصبح رجع بعض المنهزمة فصار في أربعة آلاف. فخطب أصحابه فقال: والله ما بكم من قلة، وما ذهب عنكم إلا أهل الجبن الضعف والطمع والطبع، فإن يمسسكم قرح فقد مس القوم قرح مثله. فسيروا إلى عدوكم على بركة الله.

فقام إليه الحريش بن هلال فقال: أنشدك الله١ أيها الأمير أن تقاتلهم إلا أن يقاتلوك! فإن بالقوم جراحاً وقد أثخنتهم هذه الجولة.

فقبل منه ومضى المهلب في عشرة، فأشرف على عسكر الخوارج، فلم ير منهم أحداً يتحرك فقال الحريش: ارتحل عن هذا الموضع، فارتحل، فعبر دجيلاً، وصار إلى عاقول٢ لا يؤتى إلا من وجه واحد. فأقام به وستراح الناس ثلاثاً، وقال ابن قيس الرقيات:


١ أنشدك الله: أي أذكرك الله.
٢ العاقول: الأرض لا يهتدى لها.

<<  <  ج: ص:  >  >>