للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أصبتهم لم يكن ظفراً هنيئاً. لأني أراهم لا يصابون حتى يصيبوا. فإن غلبوا ذهب الدين، فقال أصحابه، نافق وافد، فقال ابن الماحوز: لا تعجلوا على أخيكم. فإنه إنما قال هذا نظراً لكم، ثم توجه الزبير بن علي إلى عسكر المهلب لينظر ما حالهم، فأتاهم في مائتين. فحزرهم ورجع. وأمر المهلب أصحابه بالتحارس. حتى إذا أصبح ركب إليهم على تعبية صحيحة، فالتقوا بسلى وسلبرى فتصافوا. فخرج من الخوارج مائة فارس، فركزوا رماحهم بين الصفين واتكأوا عليها. وأخرج إليهم المهلب عدادهم، ففعلوا مثل ما فعلوا، لا يريمون إلا لصلاة حتى أمسوا، فرجع كل قوم إلى معسكرهم ففعلوا هذا ثلاثة أيام.

ثم إن الخوارج تطاردو لهم في اليوم الثالث، فحمل عليهم هؤلاء الفرسان يجولون ساعة. ثم إن رجلاً من الخوارج حمل على رجل فطعنه فحمل عليه المهلب فطعنه، فحمل الخوارج بأجمعهم، كما صنعوا يوم سولاف، فضعضعوا الناس، وفقد المهلب. وثبت المغيرة في جمع أكثرهم أهل عمان. ثم نجم المهلب١ في مائة فارس، وقد انغمست كفاه في الدماء، وعلى رأسه قلنسوة مربعة فوق المغفر٢ محشوة قزاً، وقد تمزقت. وإن حشوها ليتطاير. وهو يلهث. وذلك في وقت الظهر، فلم يزل يحارهم إلى الليل. حتى كثر القتل في الفريقين.

فلما كان الغد غاداهم، وقد كان وجه بالأمس رجلاً من طاحية بن سود بن مالك بن فهم بن الأزد يرد المنهزمين، فمر به عامر بن مسمع فرده. فقال: إن الأمير أذن لي، فبعث إلى المهلب فأعلمه، فقال: دعه فلا حاجة لي في مثله من أهل الجبن والضعف، وقد تفرق أكثر الناس، فغاداهم المهلب في ثلاثة آلاف، وقال لأصحابه: ما بكم من قلة، أيعجز أحدكم أن يرمي رمحه ثم يتقدم فيأخذه، ففعل لك رجل من كندة يقال له عياش، وقال المهلب لأصحابه: أعدوا مخالي فيها حجارة. وارموا بها في وقت الغفلة، فإنها تصد الفارس وتصرع الراجل، ففعلوا. ثم أمر منادياً ينادي في أصحابه. يأمرهم بالجد والصبر، ويطمعهم في العدو. ففعل، حتى مر ببني العدوية، من بني مالك بن حنظلة فضربوه. فدعا


١ نجم: ظهر.
٢ المغفر: ما يقي الرأس: وهو حلق يتقنع بها المسلح.

<<  <  ج: ص:  >  >>