للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فكتب المهلب إلى الحجاج: أتاني كتابك تستبطئني في لقاء القوم، على أنك لا تظن بي معصية ولا جبناً، وقد عاتبتني معاتبة الجبان، وأوعدتني وعيد العاصي، فاسأل١ الجراح، والسلام.

فقال الحجاج للجراح: كيف رأيت أخاك? قال: والله ما رأيت أيها الأمير مثله قط ولا ظننت أن أحداً يبقى على مثل ما هو عليه. ولقد شهدت أصحابه أياماً ثلاثة يغدون إلى الحرب ثم ينصرفون عنها وهم بها يتطاعنون بالرماح، ويتجالدون بالسيوف، ويتخابطون بالعمد، ثم يروحون كأن لم يصنعوا شيئاً، رواح قوم تلك عادتهم وتجارتهم. فقال: الحجاج: لشد ما مدحته أبا عقبة! قال: الحق أولى.

وكانت ركب٢ الناس قديماً من الخشب، فكان الرجل يضرب ركابه فيتقطع، فإذا أراد الضرب أو الطعن لم يكن له معتمد، فأمر المهلب فضربت الركب من الحديد، وهو أول من أمر بطبعها، ففي ذلك يقول عمران بن عصام العنزي:

ضربوا الدراهم في إمارتهم ... وضربت للحدثان والحرب

حلقاً ترى منها مرافقهم ... كمناكب الجمالة الحرب٣

وكتب الحجاج إلى عتاب بن ورقاء الرياحي، من بني رياح بن يربوع بن حنظلة، وهو والي إصبهان، يأمره بالمسير إلى المهلب، وأن يضم إليه جند عبد الرحمن بن مخنف، فكل بلد تدخلانه من فتوح أهل البصرة فالمهلب أمير الجماعة فيه، وأنت على أهل الكوفة، فإذا دخلتم بلداً فتحه لأهل الكوفة فأنت أمير الجماعة [فيه] ٤، والمهلب على أهل البصرة.

فقد عتاب في إحدى جماديين من سنة ست وسبعين على المهلب، وهو بسابور، وهي من فتوح أهل البصرة فكان المهلب أمير الناس، وعتاب على أصحاب ابن مخنف، والخوارج في أيديهم كرمان، وهم بإزاء المهلب بفارس يحاربونه من جميع النواحي.


١ س: "فسيل"
٢ الركب: جم ركاب. وهو ما يعتمد عليه راكب السرج بقدميه.
٣ أي ضربت حلفا. ومرافقهم. أي معتمدات أرجلهم. والجمالة: أصحاب الجمال.
٤ من س.

<<  <  ج: ص:  >  >>