وكان عياش الكندي شجاعاً بئيساً١، فأبلى يومئذ، ثم مات على فراشه بعد ذلك، فقال المهلب: لا وألت نفس الجبان بعد عياش! وقال المهلب: ما رأيت كهؤلاء كلما ينقص منهم يزيد فيهم! ووجه الحجاج إلى المهلب رجلين: أحدهما من كلب، والآخر من سليم، يستحثانه بالقتال، فقال المهلب متمثلاً:
ومستعجب مما يرى من أناتنا ... ولو زبنته الحرب لم يترمرم
الشعر لأوس بن حجر، وقوله: زبنته يقول: دفعته، ولم يترمرم، أي لم يتحرك، يقال: قيل له كذا وكذا فما ترمرم.
وقال ليزيد: حركهم، فحركهم فتهايجوا، وذلك في قرية من قرى إصطخر، فحمل رجل من الخوارج على رجل من أصحاب المهلب فطعنه، فشك فخذه بالسرج، فقال المهلب للسلمي والكلبي: كيف نقاتل قوماً هذا طعنهم!
وحمل يزيد عليه وقد جاء الرقاد، وهو من فرسان المهلب، وهو أحد بني مالك بن ربيعة، على فرس له أدهم، وبه نيف وعشرون جراحة، وقد وضع عليها القطن، فلما حمل يزيد ولى الجمع وحماهم فارسان، فقال يزيد لقيس الخشني مولى العيتك من لهذين? قال: أنا، فحمل عليهما، فعطف عليه أحدهما، فطعنه قيس الخشني فصرعه، وحمل عليه الآخر فعانقه، فسقطا جميعاً إلى الأرض، فصاح قيس الخشني: اقتلونا جميعاً، فحملت خيل هؤلاء وخيل هؤلاء، فحجزوا بينهما، فإذا معانقه امرأة، فقام قيس مستحيياً، فقال له يزيد: أما أنت فبارزتها على أنها رجل، فقال: أرأيت لو قتلت! أما كان يقال: قتلته امرأة! وأبلى يومئذ ابن المنجب السدوسي، فقال له غلام له يقال له خلاج: والله لوددنا أنا فضضنا عسكرهم حتى أصير إلى مستقرهم فأستلب مما هناك جاريتين. فقال مولاه: وكيف تمنيت اثنتين? قال: لأعطيك إحداهما وآخذ الأخرى، فقال ابن المنجب: