للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقال إبراهيم بن المهدي يرثي ابنه، وكان مات بالبصرة:

نأى آخر الأيام عنك حبيب ... فللعين سح دائم وغروب١

دعته نوى لا يرتجي أوبة لها ... فقلبك مسلوب وأنت كئيب

يؤوب إلى أوطانه كل غائب ... وأحمد في الغياب ليس يؤوب

تبدل داراً غير داري وجيرة ... سواي، وأحداث الزمان تنوب

أقام بها مستوطناً غير أنه ... على طول أيام المقام غريب

كأن لم يكن كالغصن في ميعة الضحى ... سقاه الندى فاهتز وهو رطيب٢

كأن لم يكن كالدر يلمع نوره ... بأصدافه لما تشنه ثقوب

كأن لم يكن زين الفناء ومعقل الن ... ساء إذا يوم يكون عصيب

وريحان صدري كان حين أشمه ... ومؤنس قصري كان حين أغيب

وكانت يدي ملأى به ثم أصبحت ... بحمد إلهي وهي منه سليب

قليلاً من الأيام لم يرو ناظري ... بها منه حتى أغلقته شعوب٣

كظل سحاب لم يقم غير ساعة ... إلى أن أطاحته فطاح جنوب

أو الشمس لما من غمام تحسرت ... مساء وقد ولت وحان غروب

سأبكيك ما أبقت دموعي والبكا ... بعيني ماء يا بني يجيب

وما غار نجم أو تغنت حمامة ... أو اخضر في فرع الأراك قضيب

حياتي ما دامت حياتي فإن أمت ... ثويت وفي قلبي عليك ندوب

وأضمر إن أنفدت دمعي لوعة ... عليك لها تحت الضلوع وجيب

دعوت أطباء العراق فلم يصب ... دواءك منهم في البلاد طبيب


١ السح: الصب, وغروب: جمع غرب وهو الدمع حين يجري
٢ ميعة كل شيء: أوله؛ أي في أول شبابه.
٣ شعوب: اسم للموت.

<<  <  ج: ص:  >  >>