للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قوله: "سمعت الناس ينتجعون" حكاية، والمعنى إذا حقّق إنما هو سمعت هذه اللفظة، أي قائلاً يقول: "الناس ينتجعون غيثاً"، ومثل هذا قوله:

وجدنا في كتاب بني تميمٍ ... أحقّ الخيل بالرّكض المعار

فمعناه: وجدناه هذه اللفظة مكتوبة، فقوله: "أحق الخيل" ابتداء، "والمعار" خبره، وكذلك "الناس" ابتداء، و"ينتجعون" خبره. ومثل هذا في الكلام: قرأت "الحمد لله رب العالمين"، إنما حكيت ما قرأت، وكذلك قرأت على خاتمه "الله أكبر" يا فتى، فهذا لا يجوز سواه.

وقوله: "إذا النكباء ناحت الشّمالا" فإن الرياح أربع، ونكباواتها أربع، وهي الريح التي تأتي من بين ريحين فتكون بين الّمال والصّبا، أو الشّمال والدّبور، أو الجنوب والدّبور، أو الجنوب والصّبا، فإذا كانت النّكباء تناوح الشمال فهي آية الشتاء. ومعنى "تناوح" تقابل، يقال: تناوح الشجر إذا قابل بعضه بعضاً، وزعم الأصمعي أن النائحة بهذا سمّيت، لأنها تقابل صاحبتها.

وقال يحيى بن نوفل الحميريّ - ويقال إنه لم يمدح أحداً قط:

فلو كنت ممتدحاً للنّوال ... فتى لامتدحت عليه بلالاً

ولكنّني لست ممّن يريد ... بمدح الرّجال الكرام السّؤالا

سيكفي الكريم إخاء الكريم ... ويقنع بالود منه نوالا

ومن احسن ما امتدح به ذو الرّمة بلالا، قوله:

تقول عجوزٌ مدرجي متروّحاً ... على بيتها من عند أهلي وغاديا

اذو زوجةٍ بالمصر أم ذو خصومةٍ ... أراك لها بالبصرة العام ثاويا

فقلت لها: لا عن أهلي لجيرةٌ ... لأكثبة الدّهنا جميعاً وماليا١

وما كنت مذ أبصرتني في خصومة ... أرجع فيها يا ابنة الخير قاضي

ولكنّني أقبلت من جانبي قساٌ ... أزور فتى نجداً كريماً يمانيا

من آل أبي موسى عليه مهابةٌ ... تفادي أسود الغاب منه تفاديا

مرمّين من ليثٍ عليه مهابة ... تفادي أسود الغاب منه تفاديا


١ زيادات ر: قوله "لا" لحن، وهذا اللحن راجع على المرأة؛ لأن "لا" لا تقع إلا في جواب "أو" وإنما سألته بأم، وهي لم يستقر عندها علم.

<<  <  ج: ص:  >  >>