للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بقبر ابن ليلى غالب عذت بعدما ... خشيت الرّدى أو ان اردّ على قسر

بقبر امرئ تقري١ المئين عظامه ... ولم يك غلاّ غالباً ميّتٌ يقري

فقال لي استقدم أمامك إنما ... فكاكك أن تلقى الفرزدق بالمصر

فقال له الفرزدق: ما اسمك? قال: لهذم، قال: يالهذم، حكمك مسمّطاً، قال: ناقة كوماء سوداء الحدقة، قال: يا جارية، اطرحي إلينا حبلاً، ثم قال: يا لهذام اخرج بنا إلى المريد، فألقه في عنق ما شئت. فتخير العبد على عينه، ثم رمى الحبل في عنق ناقةٍ وجاء صاحبها، فقال له الفرزدق: اغد عليّ في ثمنها، فجعل لهذا يقودها والفرزدق يسوقها حتى إذا نفذ بها من بيوت إلى الصحراء، صاح به الفرزدق: يا لهذام، قبح الله أخسرنا!

[قوله: "تقري المئين عظامه"، يريد أنهم كانوا ينحرون الإبل عند قبور عظامهم، فيطعمون الناس في الحياة وبعد الممات، وهذا معروف في أشعارهم] .

وقوله:

ولم يك إلا غالباً ميتٌ يقري

فإنه نصب غالباً لأنه استثناء مقدم، وإنما انتصب الاستثناء المقدم لما أذكره لك، إن حق الاستثناء إذا كان الفعل مشغولاً به أن يكون جارياً عليه، لا يكون فيه إلا هذا، تقول: ما جاءني إلا عبد الله، وما مررت إلا بعبد الله. فإن كان الفعل مشغولاً بغيره فكان موجباُ، لم يكن في المستثنى إلا النصب، نحو جاءني إخوتك غلا زيداً، كما قال تعالى: {فَشَرِبُوا مِنْهُ إِلَّا قَلِيلاً مِنْهُمْ} ٢، ونصب هذا على معنى الفعل، وإلا دليلٌ على ذلك.

فإذا قلت: جاءني القوم، لم يؤمن أن يقع عند السامع أن زيداً أحدهم، فإذا قال: إلا زيداً، فالمعنى لا أعني فيهم زيداً، وأو أستثني ممن ذكرت زيداً. ولسيبويه فيه تمثيل، والذي ذكرت أبين منه، وهو مترجم عما قال، غير مناقض له. وإن كان الأول منفياً جاز البدل والنصب، والبدل أحسن، لأن الفعل الظاهر أولى بأن يعمل من المختزل الموجود بدليل، وذلك قولك: ما أتاني أحدٌ إلا زيدٌ، وما مررت


١ من القرى بالكسر: وهو إكرام الضيف.
٢ سورة البقرة ٢٤٩.

<<  <  ج: ص:  >  >>