للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بأحدٍ إلا زيدٍ، والفصل بين المنفي والموجب، أن المبدل من الشيء يفرّغ له الفعل، فأنت في المنفي إذا قلت: ما جاءني إلا زيدٌ، لأنه بدل من أحد، والموجب لا يكون فيه البدل، لأنك إذا قلت: جاءني إخوتك إلا زيداً، لم يجز حذف الأول، لا نقول: جاءني إلا زيد، وإن شئت إن تقول في النفي: ما جاءني أحد إلا زيد جاز، ونصبه بالاستثناء الذي شرحت لك في الواجب. والقراءة الجيدة {مَا فَعَلُوهُ إِلَّا قَلِيلٌ مِنْهُمْ} ١، وقد قرئ {إِلَّا قَلِيلاً مِنْهُمْ} ، على ما شرحت لك في الواجب، والقراءة الأولى.

فإذا قدّمت المستثنى بطل البدل، لأنه ليس قبله شيء يبدل منه، فلم يكن فيه إلا وجه الاستثناء، فتقول: ما جاءني إلا أباك أحدٌ، وما مررت إلا أباك بأحدٍ. وكذلك تنشد هذه الأشعار، قال كعب بن مالك الأنصاري لرسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:

الناس ألبٌ علينا فيك ليس لنا ... إلا السّيوف وأطراف القنا وزر ٢

وقال الكميت بن زيد:

فمالي إلا آل أحمد شيعةٌ ... ومالي إلا مشعب الحق مشعب

لا يكون إلا هذا، وليونس قول مرغوب عنه، فلذلك لم نذكره.

وقوله: "فقال لي استقدم أمامك"، مخبرٌ عن الميّت بالقول، فإن العرب وأهل الحكمة من العجم تجعل كلّ دليل قولاً، فمن ذلك قول زهير:

أمن أم أوفى دمنةٌ لم تكلّم

وإنما كلامها عنده ان تبين بما يرى من الآثار فيها، من قدم أهلها وحدثان عهدهم.

ويروى عن بعض الحكماء أنه قال: هلاّ وقفت على المعاهد والجنان، فقلت: أيها الجنان، من شقّ أنهارك، وغرس أشجارك، وجنى ثمارك? فإنها إن لم تجبك حوراً٣ أجابتك اعتباراً!


١ سورة النساء ٦٦.
٢ ألب: متجمعون، وزر: ملجأ.
٣ الحوار: الجواب.

<<  <  ج: ص:  >  >>