للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

ونصب عيني بنت ماء على الذم، وتأويله: إنه إذا قال: جاءني عبد الله الفاسق الخبيث فليس يقوله١ إلا وقد عرفه بالفسق والخبث٢ فنصبه أعني وما أشبهه من الأفعال، نحو أذكر، وهذا أبلغ في الذم، أن يقيم الصفة مقام الإسم، وكذلك المدح. وقول الله تبارك وتعالى: {وَالْمُقِيمِينَ الصَّلاةَ} بعد قوله: {لَكِنِ الرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ مِنْهُمْ} ٣. إنما هو على هذا. ومن زعم أنه أراد: "ومن المقيمين الصلاة" فمخطئ في قول البصريين، لأنهم لا يعطفون الظاهر على المضمر المخفوض، ومن أجازه من غيرهم فعلى قبح، كالضرورة. والقرآن إنما يحمل على أشرف المذاهب. وقرأ حمزة: {الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ} ٤، وهذا مما لا يجوز عندنا إلا أن يضطر إليه شاعر، كما قال:

فاليوم قربت تهجونا وتشتمنا ... فاذهب فما بك والأيام من عجب

وقرأ عيسى بن عمر: {وَامْرَأَتُهُ حَمَّالَةَ الْحَطَبِ} ٥. أراد: وامرأته في جيدها حبل من مسد، فنصب حمالة على الذم. ومن قال إن امرأته مرتفعة بقوله: {سَيَصْلَى نَاراً ذَاتَ لَهَبٍ} : فهو يجوز. وليس بالوجه أن يعطف المظهر المرفوع على المضمر حتى يؤكد، نحو: {فَاذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلا} ٦ [المائدة: ٢٤] و: {اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ} ٧، فأما قوله: {لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا أَشْرَكْنَا وَلا آبَاؤُنَا} ٨.فإنه لما طال الكلام وزيدت٩ فيه لا احتمل الحذف وهذا على قبحه جائز في الكلام١٠، أعني: ذهبت وزيد، وأذهب وعمرو، قال جرير:

ورجا الأخيطل من سفاهة رأيه ... ما لم يكن وأب له لينالا

وقال ابن أبي ربيعة:

قلت إذ أقبلت وزهر تهادى ... كنعاج الملا تعسفن رملا١١


١ ر: "يقول".
٢ ر: "بالخبث والفسق".
٣ سورة النساء ١٦٢.
٤ سورة النساء ١
٥ سورة المسد ٤.
٦ سورة المائدة ٢١.
٧ سورة البقرة ٣٥.
٨ سورة الأنعام ١٤٨.
٩ ر: "وزادت", وما أثبته عن الأصل, س.
١٠ لفظ "في الكلام" ساقط من ر.
١١ الملا: الفلاة.

<<  <  ج: ص:  >  >>