للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

واعمل أن للتشبيه حداً؛ لأن الأشياء١ تشابه من وجوه، وتباين من وجوه؛ فإنما ينظر إلى التشبيه من أين وقع٢، فإذا شبه الوجه بالشمس والقمر فإنما يراد به الضياء والرونق، ولا يراد به٣ العظم والإحراق. قال الله جل وعز: {كَأَنَّهُنَّ بَيْضٌ مَكْنُونٌ} ٤، والعرب تشبه النساء ببيض النعام، تريد نقاءه ورقة لونه٥، قال الراعي:

كأن بيض نعام في ملاحفها ... إذا اجتلاهن قيظ ليله ومد٦

وقيل للأوسية - وهي امرأة حكيمة في٧ العرب - بحضرة عمر بن الخطاب رحمه الله: أي منظر أحسن? فقالت: قصور بيض، في حدائق خضر، فأنشد عمر بن الخطاب لعدي بن زيد:

كدمى العاج في المحاريب ... أو كالبيض في الروض زهره مستنير

وقال آخر:

كالبيض في الأدحي يلمع بالضحى٨ ... فالحسن حسن والنعيم نعيم

وقال جرير:

ما استوصف الناس من شيء يروقهم٩ ... إلا رأوا أم نوح فوق ما وصفوا

كأنها مزنة غراء رائحة ... أو درة ما يواري ضوءها الصدف١٠

المزنة: السحابة البيضاء خاصة، وجمعها مزن، قال الله جل وعز: {أَأَنْتُمْ أَنْزَلْتُمُوهُ مِنَ الْمُزْنِ} ١١, فالمرأة تشبه بالسحابة لتهاديها وسهولة مرها، قال الأعشى:


١ ر: "فالأشياء", وما أثبته عن الأصل.
٢ ر: "من حيث وقع".
٣ ساقطه من ر.
٤ سورة الصافات ٤٩.
٥ ر: "ونعمة لونه".
٦ الملاحف: الأغطية, والومد: ندى يجئ في صميم الحر, من قبل البحر مع سكون الريح.
٧ كذا في الأصل, وفي ر, س: "من العرب".
٨ الأدحى: مبيض النعام تدحوه برجلها, ثم تبيض فيه.
٩ ر: "عن شئ بروقهم", وما أثبته عن الاصل, س.
١٠ ر: "لا يوارى لونها".
١١ سورة الواقعة ٦٩.

<<  <  ج: ص:  >  >>