للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

حتى أتمها، وهي ثمانون بيتاً، فقال له ابن الأزرق: لله أنت يا ابن عباس! أنضرب إليك أكباد الإبل نسألك عن الدين فتعرض، ويأتيك غلام من قريش فينشدك سفهاً فتسمعه! فقال: تالله ما سمعت سفهاً، فال ابن الأزرق: أما أنشدك:

رأت رجلا أما إذا الشمس عارضت ... فيخزى وأما بالعشي فيخسر

فقال: ما هكذا قال، إنما قال "فيضحى وأما بالعشي فيخصر" قال: أو تحفظ الذي قال? قال: والله ما سمعتها إلا ساعتي هذه، ولو شئت أن أردها لرددتها، قال: فارددها، فأنشده إياها كلها١.

وروى الزبيريون أن نافعاً قال له: ما رأيت أروى منك قط. فقال له ابن عباس: ما رأيت أروى من عمر، ولا أعلم من علي.

وقوله: فيضحى يقول: يظهر للشمس، ويخصر، يقول: في البردن٢، فإذا ذكر العشي فقد دل على عقيب العشي، قال الله تبارك وتعالى: {وَأَنَّكَ لا تَظْمَأُ فِيهَا وَلا تَضْحَى} ٣، والضح: الشمس، وليس من: "ضحيت"، يقال: "جاء فلان بالضح والريح" يراد به الكثرة، قال علقمة:

أغر أبرزه للضح راقبه ... مقلد قضب الريحان مفغوم

له فغمة، أي رائحة طيبة، يعني إبريقاً فيه شراب؛ وفي الحديث: أن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لما توجه إلى تبوك جاء أبو خيثمة، وكانت له امرأتان، وقد أعدت كل واحدة منهما من طيب ثمر بستانه، ومهدت له في ظل، فقال: أظل ممدود، وثمرة طيبة، وماء بارد، وامرأة حسناء، ورسول الله في الضح والريح! ما هذا بخير! فركب ناقته ومضى في أثره، وقد قيل لرسول الله في نفر تخلفوا، أبو خيثمة أحدهم، فجعل لا يذكر له أحد منهم إلا قال: "دعوه فإن يرد الله به خيراً يلحقه بكم"، فقيل ذات يوم: يا رسول الله، ترى رجلاً يرفعه الآل، فقال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "كن أبا خيثمة"، فكانه.

وإذا انبسطت الشمس فهو الضحى مقصور، فإذا امتد النهار وبينهما مقدار ساعة أو نحو ذلك فذلك الضحاء، ممدود مفتوح الأول.


١ ساقط من ر.
٢ البردان: الغداة والعشي.
٣ سورة طه ١١٩.

<<  <  ج: ص:  >  >>