ويستطرد هذا المؤرخ متصدياً للجانب الإنساني في صلاح الدين، فيقول:"إنَّ صلاح الدين آثر -دائماً- أن يكون حكمه قائماً على العدل واللّين والمحبة، وإنه على الرغم من شجاعته الحربية التي حققت له العديد من الانتصارات في ميادين القتال، كان يكره أن تقع عيناه على دمٍ مراق، وكان يحسّ الألم يحزُّ في نفسه لما تجلبه الحروب من ويلات ولما يصيب المقاتلين في معاركها. ولم يستخدم في حكمه الحديد والنار والسم، فظلَّ على رأس الإسلام حامياً للمسلمين بغير ما عنف ولا هوى، مستنداً في كل تصرُّفاته إلى مبادئ الشرف والمحبة، تلك المبادئ التي استطاع بها أن يمكِّن من سلطان العرب والمسلمين".
وقد استثارت انتصارات صلاح الدين حنق رجال الدين المسيحيين عليه، فانبرى الناسك (كريكوار) الذي نُصِّبَ إذ ذاك بابا في الفاتيكان باسم: (كريكوار الثامن)، وحمل لواء الدعوة لحملة صليبية ثالثة، وراح يحرِّض كل مَن بلغ سنَّ القتال على حمل السلاح لإنقاذ الأرض المقدَّسة، وأمر المسيحيين بالصوم والصلاة، وأجبر ملوكهم على عقد هدنة يحرم فيها القتال فيما بينهم لمدة سبعة أعوام يتفرَّغون خلالها لقتال المسلمين. كذلك جدَّد كرادلة الكنيسة قَسَمَهُم القديم، فعادوا وأقسموا على أن يتخلَّوا عن أبَّهتهم الدينية وجاههم الكنسي وألاَّ يمتطوا الخيل، وأن يعيشوا على الكَفاف من الصدقات، وأن يطوفوا العالم المسيحي يستفزّونه على الإسلام، وأن يظل أمرهم على هذه الصورة حتى تعود إليهم أورشليم.
وقد خلف البابا كريكوار الثامن: البابا (كليمنت) الذي طبَّق