سنّة سلفه، فوهب الغفران ومنح الامتيازات لكلّ من يخف للقتال في الأرض المقدَّسة، وأخذ خطباؤه يطوفون الممالك المسيحية ليشوِّهوا بالباطل سمعة صلاح الدين بمفترياتهم وأضاليلهم.
ولم يقف رجال الكنيسة لإثارة المسيحيين عند هذا الحد، بل إنَّهم راحوا يخترعون قصصاً تصور ألواناً من العذاب يعانيها المسيحيون في الشرق، كما أنَّ الكهنة والأحبار دأبوا إذ ذاك على لون آخر من الدعاية، فكانوا يخلعون ملابسهم الكهنوتية على ملأ من الناس ويتدرَّعون بدلاً منها بدروع الحرب، وكذلك راحوا يقسمون بألاَّ يمنحوا أحداً صكّاً من صكوك الغفران ما لم يكتب النصر للمسيحية على الإسلام.
يقول (شامب دور): "كما تمكَّنت فرنسا بفضل البابوات من زعامة الغرب والمسيحيين، فقد تمكَّنت مصر أيضاً بفضل صلاح الدين من الزعامة على المسلمين والعرب قاطبة ... لقد كان للملك آموري الفضل في تحذير الغرب من خطر صلاح الدين، فهو أول من تكهَّن بتألُّق نجمه حينما كان صلاح الدين في مستهلّ كفاحه ومطلع تاريخه العظيم، وقد نبَّه آموري الغرب إلى أن الضرورة تقتضي إخضاع مصر لإقامة دولة إفرنجية فيها، وصمَّم هذا الملك على غزوها والاستيلاء عليها، ليحول بذلك دون قيام جبهة عربية قوية متحدة دينياً وسياسياً تعيد إلى العرب أمجاد الدولة العربية الأولى. كما أن آموري قد بصَّر الغرب بخطر وحدة العرب والمسلمين وحذَّره إياها، مؤكِّداً أنَّ هذه الوحدة إنما تقوم على أنقاض المسيحية،