للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ولم يكن كلام خليل باشا يخلو من التعريض والنقد للسلطان، وكان الفاتح قد لمس في خليل باشا ما يثير الريبة والشك وما يستحق المؤاخذة والعقاب، ولكنه أغضى وأمسك عنه وأسرَّ الأمر في نفسه حتى تواتيه الفرصة. فما زاد الفاتح بعد أن أتمَّ خليل باشا كلامه أن تبسَّم، ثم التفت إلى زغنوس باشا وسأله رأيه. وكان زغنوس لا يزال في عنفوان الشباب، شديد العزم وثّاب الهمة، وهو الذي كان يشرف على حفر الأنفاق تحت أسوار القسطنطينية لاقتحامها من بطن الأرض.

قال زغنوس: "حاشا وكلاّ أيها السلطان! أنا لا أقبل أبداً ما قاله خليل باشا، فما أتينا هنا إلا لنموت لا لنرجع. إن خليل باشا أراد بما قاله أن يخمد فيكم نار الحمية ويقتل الشجاعة، ولكنه لن يبوء إلا بالخيبة والخسران. إن جيش إسكندر الكبير الذي قام من اليونان وزحف إلى الهند وقهر نصف آسيا الكبيرة الواسعة لم يكن أكبر من جيشنا، فإذا كان ذلك الجيش قد استطاع أن يستولي على تلك الأراضي العظيمة الواسعة، أفلا يستطيع جيشنا أن يتخطَّى هذه الكومة من الأحجار المتراكمة؟! وقد أعلن خليل باشا أن دول الغرب ستزحف إلينا وتنتقم منا، ولكن ما الدول الغربية هذه؟! هل هي الدول اللاتينية التي شغلها ما بينها من خصام وتنافس؟ هل هي دول البحر الأبيض المتوسط التي لا تقدر على شيء غير القرصنة واللصوصية؟ ولو أن تلك الدول أرادت نصر بيزنطة لفعلت وأرسلت إليها الجند والسفن؛ ولنفرض أن أهل الغرب بعد فتحنا القسطنطينية هبُّوا إلى الحرب وقاتلونا، فهل سنقف منهم مكتوفي الأيدي بغير حراك؟! أوَليس لنا جيش يدافع عن كرامتنا وشرفنا؟

<<  <   >  >>