للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الانكشارية وهاجموا السور كالأسود، وكان هجوماً هائلاً اهتزَّت له جوانب القسطنطينية؛ وفي مثل لمح البصر، أقام كثير منهم السلالم على السور وقفزوا منها إلى أعلى السور في خفَّة مدهشة؛ وكانت تكبيراتهم العالية ودقات الطبول الضخمة وقصف المدفعية الكثيف تُحدث دوياً يصمّ الآذان وتلقي الرعب والفزع في نفوس سكان القسطنطينية وتؤثر في معنوياتهم وتزعزعها وتؤدي بها إلى الانهيار.

وحمي وطيس القتال وبلغ أقصى مداه من العنف والشدة، لاسيما عند (طوب قبو) وباب (أدرنه)، وقد أدرك الفريقان أنها الساعة الأخيرة الحاسمة من تلك المعركة التي بدأت من خمسين يوماً.

وأصيب جستنيان بجرح بالغ عجز عن احتماله، فأزمع على الانسحاب من الميدان لتضميد جرحه، وطلب إلى الإمبراطور أن يتولَّى القيادة مكانه. وارتاع قسطنطين لهذا الأمر، ورجا جستنيان ملحّاً في رجائه ألاَّ يترك مكانه، فإنَّ ذلك سيفتّ في عضد الجند ويثبّط عزيمتهم في وقت هم أحوج ما يكونون فيه إلى مَن يشدّ أزرهم، وإن مصير المدينة كلها متوقّف على قراره، ولكن جستنيان أصرَّ على أن يُنقل في الحال إلى سفينته الراسية في الميناء.

ويظهر أنه كان قد أَيِسَ من استمرار الدفاع وصدّ العثمانيين عن القسطنطينية، فآثر الانسحاب والنجاة بنفسه. ونُقل القائد الجنوي إلى سفينته الراسية وراء السلسلة في (القرن الذهبي)، ومن هناك نُقل إلى

جزيرة (خيوس) حيث قضى نحبه، بل لعله قد مات قبل وصوله إليها.

وتولَّى قسطنطين القيادة المباشرة بنفسه، وحاول رفع معنويات

<<  <   >  >>