للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

القسطنطينية قد فرُّوا من المدينة عندما دخلها العثمانيون خوفاً من القتل، فأصدر الفاتح بياناً عاماً دعا فيه هؤلاء الفارين للعودة إلى مدينتهم ومنازلهم، وأمَّنهم على حياتهم وأموالهم، ودعا إلى عودة التجار والحرفيين إلى أسواقهم لمزاولة أعمالهم ومهنهم، ووعد الجميع بحريّة العبادة وممارسة شعائر دينهم.

وكان الفاتح يعلم أن الروم متمسِّكون بدينهم، فرأى أن خير ما يجمع شملهم ويشجعهم على العودة إلى بلدهم والاطمئنان إلى حكمه هو أن يظهر العناية بالناحية الدينية. وكانت البطريركية إذ ذاك شاغرة، فعمل على تنصيب بطريرك رومي جديد بنفس المراسيم الفخمة التي كانت تتبع في عهد الأباطرة الأُوَل؛ فاجتمع الأساقفة وانتخبوا (جناديوس) بطريركاً لهم، وقد كان من أقوى المعارضين لاتحاد الكنيستين الشرقية والغربية. وبعد انتخابه سار في موكب حافل من الأساقفة إلى الفاتح، فاحتفى به أعظم احتفاء، وبالغ في تكريمه والترحيب به، وتناول معه الطعام على مائدته، وتحادث معه حديثاً طويلاً، ثم قدَّم إليه بعد ذلك عصا البطريركية وقال له: "إنك البطريرك، وليحفظك الله، واعتمد دائماً على صداقتي ومودّتي، وتمتَّع بكل ما كان يتمتَّع به سلفك من الحقوق والامتيازات".

ولما همَّ البطريرك بالانصراف، نهض له الفاتح ورافقه إلى باب القصر، وأعانه على ركوب الجواد المطهَّم الذي أُعد له، وأمر وزراءه وكبار رجال دولته أن يصحبوه إلى مقره الذي هُيِّئ له.

وقد تأثر البطريرك لما لقيه من محمد الفاتح من بالغ الحفاوة،

<<  <   >  >>