وشعر بشيء من الخجل، فقال للسلطان:"إنَّ الأباطرة النصارى لم يفعلوا قط مثل هذا لمن سبقه من البطاركة".
وأصدر الفاتح بعد ذلك مرسوماً للبطريرك أمَّنه فيه على
شخصه، وجعله برتبة الوزراء، وعهد إليه النظر في أمور الروم من الناحيتين الدينية والمدنية كالزواج والطلاق والميراث، فأصبح البطريرك بذلك زعيماً دينياً وسياسياً للروم.
ولم تمضِ بضعة أيام على فتح القسطنطينية، حتى ساد الأمن والسكينة ربوع المدينة، واستأنف الناس حياتهم المدنية العادية في أمن وسلام.
وكان الدوق نوتاراس كما ذكرنا قد قابل السلطان ولقي منه كل حفاوة ورعاية. وقد عاتبه السلطان على عدم تسليم المدينة بعد أن أرسل إليها الإنذار الأخير، فأجاب نوتاراس بأن استمرار المقاومة يرجع إلى الجنود الأجانب وإلى الرسائل التي كان يبعثها أحد وزراء السلطان إلى قسطنطين يحثه فيها على مواصلة المقاومة وعدم الاستسلام، ويطمعه في رفع الحصار، وقد اهتمَّ قسطنطين بهذه الرسائل وعمل بها. وما إن سمع خليل باشا هذا حتى ظهر عليه الارتباك والخوف، وكان واقفاً بجانب السلطان فصاح:"كلا يا سلطاني! من المستحيل أن يوجد في معيَّتكم من يرتكب مثل هذا الخزي والعار. إنَّ هذا الكافر يفتري كذباً، فلا تسمحوا له بالكلام واقطعوا رأسه"، فقال له السلطان:"فلماذا ترتبك إذن؟! ألا تجيب على هذه التهم الموجهة إليك؟! " وعزله السلطان عن الوزارة وعهد بها إلى محمود باشا، ورعايةً لكبر سن خليل باشا، اكتفى بمصادرة أمواله وحبسه، وقد بقي في السجن حتى وافاه الأجل المحتوم.