وأمَّا نوتاراس فقد صفح عنه السلطان وأكرمه ووهب له ولأولاده مالاً كثيراً، وذهب في اليوم التالي إلى بيته لعيادة زوجته المريضة، فواساها وأسبغ عليها من عطفه ورعايته. ولكن نوتاراس ومَن معه من نبلاء الروم أغرتهم هذه المعاملة الحسنة من الفاتح وأطمعتهم، فأخذوا يأتمرون لإخراج المسلمين من القسطنطينية، وبعثوا رسلاً إلى إيطاليا يدعون إلى حملةٍ صليبيةٍ ضدَّهم، فأمر السلطان الفاتح باعتقالهم وقتلهم.
واستعرض الفاتح جنوده بعد فتح القسطنطينية استعراضاً عسكرياً، ومثل هذا الاستعراض من التقاليد العسكرية التي لا تزال متَّبعة في الجيوش الحديثة حتى اليوم، ثم أُقيمت بين الجنود مسابقة في الرماية بمختلف الأسلحة، فأقبلوا عليها بشوقٍ وكفاية. والحقُّ أنَّ الجنود العثمانيين المشاة منهم والفرسان والمدفعية أبدوا مهارةً فائقةً في التصويب الدقيق أثناء الحصار، فحرَّم رماة السهام على المدافعين عن الأسوار الظهور من شرفاتها، ودكَّ جنود المدفعية تلك الأسوار وكانت إصاباتهم مركزةً تركيزاً مباشراً، وكان لتدريب العثمانيين على الرماية تدريباً راقياً أثرٌ كبيرٌ في إحراز النصر.
وقد أقام الفاتح لجنوده بعد انتهاء مسابقة الرماية مآدب حافلةً كرَّم فيها الأبطال الذين برزوا في القتال، والأبطال الذين تفوقوا في الرماية بخاصَّة، وسائر الجنود والمجاهدين والعلماء والشيوخ الذين شهدوا الفتح. وقد استمرت المآدب ثلاثة أيام، أُقيمت خلالها الزينات والمهرجانات والأفراح، وكان السلطان الفاتح يخدم جنوده بنفسه، وقد وزَّع عليهم العطايا والهدايا والمنح.